خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية

المعرفة للجميع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة 3 دراســـــة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
غيلوس
Admin



عدد المساهمات : 60
نقاط : 147
تاريخ التسجيل : 17/04/2009

أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة 3                                                                      دراســـــة Empty
مُساهمةموضوع: أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة 3 دراســـــة   أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة 3                                                                      دراســـــة Icon_minitimeالإثنين مايو 09, 2011 11:26 am

الفصل الرابع:الدلالة الشعرية والسياق

إن مصلح سياق (contexte) يحمل في مدلوله شيئا من الدلالة على التبدل، والتغير، والتحول، لأن التساوق مع الحالات الخطابية تقتضي تحولات في الدلالة وفق الوضع الخطابي الذي يكون عليه المتقبل والمرجع وكذلك المرسل، فالسنن الذي يشكل المنطلقات الخلفية لمكونات الخطاب الشعري المادية إنما تتبلور وتتشكل وفق ما يقتضيه الوضع الخطابي، وما يريد المرسل وصفه أو تصويره من موجودات، وما يتطلب تقديمه لمتلق في وضع خطابي من الأوضاع التي أوردها حازم، وسنأتي على ذكرها، وعليه فإن دلالة الخطاب الشعري تتدخل في تكوين بنيتها عوامل محيطة إلى جانب المكونات البنيوية للرسالة، وهو السنن، أو القوانين اللغوية التي تعتبر نظاما صارما يعمل الشاعر دائما على محاولة كسره، وتفتيته لبناء هيكل جديد يعلن به عن ميلاد خطاب شعري سليل قريحته الشارة.
وتبرز هذه العوامل على سطح الخطاب من خلال العلاقة بين المرسل والمتلقي، وبين الدال وما يحيل عليه من موجودات، وأحداث، وحالات، وصفات، وأضفنا إلى هذه المراجع عنصري الفضاء الزماني المعبر عنه بالظروف الزمانية، والفضاء المكاني المعبر عنه بالظروف المكانية، والتي يمكن جمعها في (مرجع الفضاء الزمكاني).
وقد اهتم بهذا المجال الحيوي من الشعريات النقد السياقي (Contextual Criticism) الذي ما هو " في أساسه سوى تسمية أخرى لما يعرف بـ: النقد الجديد في الولايات المتحدة خاصة " ، لكن هذا الاهتمام يكون بشكل عكسي مع منحى حازم حيث يدعو رائده الناقد الأمريكي ’’مري كريغر’’ في أعماله النقدية إلى " محاولة توفيق بين التوجه الشكلاني المتمثل في النقد الجديد وما ظهر بعده خاصة النقد الظاهراتي، أو الفينومينولوجي والنقد الوجودي، ففي بعض كتابات كريغر (كما في مقالته:
’’ الأساس الوجودي للنقد السياقي’’و ’’ التأمل ’’ (اللغة والرؤية في قراءة الأدب) يتضح أن المسعى الأساسي لدى النقاد الجدد مثل (جون كروا رانسوم وكليانث بر وكس) كان رومانطيقيا في أساسه حيث ينتصر للخيال الإنساني ضد المد التقني العلمي بعقلانيته الصارمة " .
فيحاول هذا الاتجاه الربط بين التجربة الشعرية، ومنتجها الذي يكون -من دون شك- محاطا بظروف وأوضاع تفرض على خياله قولا دون آخر وهي:
1-التلقي:
الناس عند حازم أصناف في الجاه والعز والشرف والفهم والعلم والملك، وعلى قدر هذه النماذج البشرية والمراتب الاجتماعية تتشكل الدلالة، وتختلف من موضع إلى آخر حسب طبيعة ومنزلة المتلقي، فيكون المرسل في وضع المصفاة التي لا تمر عبرها سوى الدلالات المناسبة لمستقبل الخطاب الشعري، وذلك بعد " إسقاط مبدأ المماثلة من محور الاختيار إلى محور التأليف " . بغية اكتساب الخطاب الشعري " الوظيفة المسماة (وظيفة شعرية) " .
إذا كان الشعر كما يقول كريغر " تجربة ذاتية أو معايشة بين الذات من جهة وما تصوره النصوص الأدبية عبر اللغة ... " فإن عملية التلقي عند بارث (R . Barths ) وغيره جعلت القارئ محور العملية الإبداعية، بل أضحى لدى أصحاب نظرية الاستقبال (Recetion Tyeory) " الاهتمام المطلق بالقارئ والتركيز على دوره الفعال كذات واعية لها نصيب الأسد من النص وإنتاجه وتداوله وتحديد معانيه " فيجعل المرسل متلقيا له معجمه الخاص.
ويقدم لنا حازم نموذجا للبرهنة على سلطة التقبل في الخطاب الشعري، حين يصير المتلقي عنصرا فعالا في تكوين دلالة الخطاب المنجز، ويخص هذا النموذج غرض المدح، وكيف تختلف المعاني المستخدمة من متقبل إلى آخر، إذ يجب على الشاعر أن يعتمد فيمن يمدح " ما يصلح له من تلك الفضائل وما يتفرع عنها، وألا يجعل الشيء منها حلبة لمن لا يستحقه ولا هو من بابه ".
ويجعل المتلقين للخطاب الشعري ذي الأسلوب المدحي درجات بدءا بالخلفاء، فالأمراء، ثم الوزراء، والكتاب، وأهل العلم من القضاة، ويخصص لكل طبقة ما يليق بها من الوصف اللائق بمحاكاة في المتلقي الذي يؤدي دورا ثنائيا داخل العملية التواصلية الشعرية باعتبار دلالة الخطاب المنجز.
ويتمثل الدور الأول في المرجع المحاكى أو المحاكي، لأنه هو محور عمليتي التخييل والمحاكاة، أما الدور الثاني فيتمثل في عملية التلقي فتجمع في وضع خطابي من هذا الحجم عدة وظائف لغوية يصعب على المختصين في الشعريات تحديدها وحصرها، وتحديد الوظيفة المهيمنة هيمنة مطلقة، هل هي الوظيفة الشعرية باعتبار الرسالة ومميزاتها الشعرية، أم هي الوظيفة الإفهامية باعتبار التلقي، أم الوظيفة المرجعية باعتبار الموجود الخاضع للوصف والمحاكاة ؟
لقد ذهبت نبيلة إبراهيم إلى توضيح ذلك بالتفصيل في مقال لها تحت عنوان " القارئ في النص نظرية التأثير والاتصال " حيث أكدت أن " الذي يقيم النص هو القارئ المستوعب له، وهذا يعني أن القارئ شريك للمؤلف في تشكيل المعنى، وهو شريك مشروع، لأن النص لم يكتب إلى من أجله ".
ويقدم لنا حازم نموذج المدح لأنه أكثر الأغراض تعرضا لهيمنة القارئ على الخطاب، وتوجيه دلالته في الآن نفسه هو المدح، وسنقف في النماذج التالية على بيان القدرات والدرجات المتفاوتة لتوجيه الدلالة الشعرية من قبل المتلقين الذين حصرهم في أربعة نماذج:
- النموذج الأول: وهم الخلفاء الذين يرتقون إلى ذروة هرم المراتب الاجتماعية، لذا ينبغي أن يكون الخطاب الموجه إليهم مشحونا " بأفضل ما يتفرع من تلك الفضائل وأجلها وأكملها كنصر الدين وإضافة العدل، وحسن السيرة، والسياسة، والعلم، والحلم، والتقى، والورع، والرأفة، والرحمة، والكرم، والهيبة، وما أشبه ذلك ". وبما أن هذه الصفات لا بد أن تمر عبر اختلاق، فإنه يجب أن يكون مقيدا، ولا يتخطى " حدود الاقتصاد إلى حدود الإفراط ".
النموذج الثاني: وهم الأمراء الذين يشحن إليهم الخطاب الشعري والمدحي مثقلا بالدلالات المعبرة عن " الكرم، والشجاعة، ويمن النقيبة، وسداد الرأي، والتيقظ، والحزم، والدهاء، وما ناسب ذلك " . غير أن الميزة المهيمنة على الدلالة العامة لكل هذه الخصال تضعهم دون مقام النموذج الأول فتكون" رتبة العظماء منهم ثانية عن رتبة الخلفاء، وتدرج مراتبهم في ذلك إلى أدنى ما يتميز به الملك عن السوقة" .
- النموذج الثالث: وهم الوزراء ومن حل محلهم من الكتاب، ويكون الخطاب الموجه إليهم يحمل الدلالات المعبرة عن تألقهم وتفوقهم، وقدرتهم في تدبير الأمور المنوطة بهم، وتركز بصفة عامة على الخصال التي أهلته وأعطته الاستحقاق الذي يكون " بالعلم، والحلم، والكرم، وحسن
التدبير، وتثمير الأموال ونحو ذلك... " .
- النموذج الرابع: ويخص القضاة الذين تكون رتبتهم متباينة، ومتفاوتة من قاض إلى آخر، فيسعى الشاعر إلى وصف المرجع المتلقي للخطاب في منأى عن العيب والنقص، ويضعه في منزلة تنزهه باعتباره النموذج الذي يتصف " بالعلم، والتقى، والدين، والنزاهة، والعدل بين الخصوم، وإنصاف المظلوم، وما جرى ذلك المجرى " .
إن الملاحظ هنا هو أن العنصر الجمالي الناتج عن التخييل والمحاكاة بواسطة الاختلاق الدلالي قد جمع بين هذه الخطابات الشعرية المتباينة، جراء العلاقات المتفاوتة بين المرسل وهذه النماذج المستقبلة لما يرسله إليها بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، لكن ما يميز بينهما هو التلقي ذاته، حيث تشحن الرسالة الشعرية بأصناف دلالية متباينة تتمظهر وترسل بأحجام اختلاقية متفاوتة، منها ما يميل إلى الاقتصاد، ومنها ما يميل إلى الإفراط، ومنها ما يكون وسطا بينهما، أي قد تتضخم الدلالة فتزيد عن حدود الحقيقة الواقعية الموجودة في ذات الشيء، أو الشخص الموصوف، وقد تقل حدة التضخم الدلالي، أو تجمع بين النمطين.
ومن هنا يمكن القول بانعدام التدقيق في تحديد الدلائل الشعرية خارج نطاق التلقي " فالعمل الأدبي كما عرض في النظرية الظاهرية للفن يبدو أن له قطبين، يمكن أن نسمي أحدهما بالقطب الفني، والآخر بالقطب الجمالي، فيشير إلى النص كما أبدعه المؤلف، وأما الجمالي فيشير إلى التحقق الذي أنجزه القارئ [...] وفضلا عن ذلك فإن التحقق ليس بحال من الأحوال عن الاستعداد الفردي للقارئ" ، باعتباره قارئا من جهة، ومرجع الدلالة الشعرية من ناحية أخرى، فالمتلقي الذي يهيمن بحضوره المميز على ميلاد خطاب شعري هو المتلقي المثالي، حيث يؤثر على المنحى الدلالي للخطاب الذي ينتجه المرسل (المبدع)، فيجعل هذا الأخير، أي المرسل يسعى إلى تحقيق الانسجام بين مستوى الاختلاف الدلالي ومنزلة المتلقي المعني مباشرة بعملية التخييل المسلطة على بعض أو جل صفاته في هذا القالب الاختلاقي الذي يحتمل الصدق والكذب.
2-التبني الدلالي في الخطاب الشعري
تتميز هذه العلاقة داخل الدارة التواصلية بكونها لا تتجاوز حدود المرسل، والمعاني الشعرية المنجزة سلفا، معنى ذلك أن الشاعر في هذه الحال يضع الدلالة التي يتبناها في خطابه على المحور التاريخي لشعر لسان خطابه، أو شعر ألسنة أخرى، بمعنى أنه يخضعها لمبدإ التعاقب الزمني باعتبار أنه ليس هو الوحيد على المحور التاريخي لهذا الفن، ومن ثمة كان لزاما عليه أن يؤثر في من حوله، ويتأثر بهم، وبمن سبقه في آليات أو تقنيات بناء الخطاب الشعري، أو استنباط معانيه، بتخييل الشيء أو محاكاته في قالب اختلاقي شعري خالص.
وقد صنف المختصون في الشعريات العربية التراثية أشكالا وأنماطا من المعاني، وبينوا الوجوه الحسنة للاحتكاك الفني للشعراء داخل هذه الأنماط الدلالية، وحازم واحد من هؤلاء الذين ذهبوا إلى ضرورة التصنيف
الدلالي فعد من المعاني " ما يوجد مرتسما في كل فكر ومتصورا في كل خاطر" ، أي تصنف ضمن (المعاني الجمهورية)، وليس لأحد فيها فضل على الآخر لأنها تشكل في مجملها الموسوعة الدلالية للخطاب الشعري مثل الصفات الكثيرة التداول في الشعر العربي كتشبيه "الشجاع بالأسد والكريم بالغمام، وهذا قسم لا سرقة فيه، ولا حجر في أخذ معانيه، لأن الناس في وجدانها ثابتة مرتسخة في خواطرهم سواء " .
وحبذا لو كان هناك معجم عربي يرصد بعمله المخبري الإجرائي مثل هذه المعاني الكثيرة التداول لإيجاد خبرة شعرية دلالية لكل شاعر مبتدإ في رسم خطوط معالم عبقريته الشاعرة، وبما أن الشعر فن لفظي، فإن التخييل والمحاكاة القائمين على أساس الاختلاق يعتمدان على البناء اللفظي في صناعة الدلالة وبناء الصورة الشعرية، بألوان حروف، أو أصوات لسان معين، ولهذا يجب أن ينظر إلى شعر اللاحق مقارنة بشعر السابق من جهة تأليفه الخاص لا المعجمي العام " فإذا تساوى تأليف الشاعرين في ذلك فإنه يسمى الاشتراك، وإن فضلت فيه عبارة المتأخر عبارة المتقدم فذلك الاستحقاق، لأنه استحق نسبة المعنى إليه بإجادته نظم العبارة عنه، وإن قصر فيه عمن تقدمه فذلك الانحطاط " .
أما النمط الثاني فلا يذهب مذهب العموم ولا الندرة، وإنما " يكون ارتسامه في بعض الخواطر دون بعض " . والتطرق لدلالات شعرية شكلت صور دلالية لشعراء سبق خطابهم الخطاب المنجز مرتبط بقيود، لأنها خاصة ببعض الشعراء دون بعض، وقد أعاب الآمدي على أبي تمام عندما يأخذ عمن سبقوه، فيكون " مستعيرا استعارة قبيحة مفسدا للمعنى الذي يقصده " ، وهذا ينافي قيود استعارة الدلالة الشعرية السابقة للخطاب المنجز، والتي من بينها " أن يركب الشاعر على المعنى معنى آخر، ومنها أن يزيد عليه زيادة حسنة، ومنها أن ينقله إلى موضع أحق به من الموضع الذي هو فيه، ومن ذلك أن يقبله، ويسلك به ضد ما سلك الأول، ومن ذلك أن يركب عليه عبارة أحسن من الأولى " ، وهذه القيود كلها تشترط كما يظهر عليها عنصر التجاوز، سواء أكان ذلك بالإضافة إلى البناء الموجود بطريقة تراكمية أم بهدم البناء أو التأليف الذي يشكل صورة الدلالة المنقولة، ثم لإعادة تأليف وبناء جزئياته من جديد بطريقة خاصة، ومن الذين أحسنوا التسامي بالدلالة العشرية المأخوذة من السابقين قول الشماخ زيادة على قول بشر بن أبي حازم:
إذا المكرمات رفعن يوما*** وقصر مبتغوها عن مداها
وضاقت أدرع المثرين عنها*** سما أوس إليها فاحتواها
فجاء الشماخ بهذا المعنى في عبارة أحسن من هذه وأوجز حيث يقول:
إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عرابة باليمين
لكن إذا كانت دلالة البيت الأول أبلغ، وأقوى، وأجمل، وأنسب من دلالة البيت اللاحق الذي بني على منوال دلالة البيت الأول فهو عين التبني الذي لا يجيزه الدارسون في حقل الشعريات، لما فيه من إفراغ دلالي، وتراجع مشين لعملية التخييل والمحاكاة الشعرية، ولهذا عده حازم ’’ سرقة محضة ’’ .
ويشمل النمط الثالث كل الدلالات النادرة التي لا تقبل الزيادة، ولا تخضع للتنقيح، فنجد منها ما يتعلق بشخصية المبدع " فالشعر عند البحتري فن التصوير والتعبير، وعند المتنبي فن الحكمة والمراسيم التي تلقى قضايا حاسمة لا مرد لها، وتجد نحو ذلك بين جرير والفرزدق، وبين حافظ وشوقي، والعقاد والمازني، ومطران والجارم، لكل ميزته الشخصية فيما يقول " ، فإذا عدل عن مميزات خطابه إلى مميزات خطاب الآخرين انكشف أمر، وبانت سرقته، لأن ميزة الشخصية المبدعة تنعكس على العمل الإبداعي فتتولد أفكار ودلالات وتركيبات خاصة بذات المبدع، وهي " ما لا ارتسام له في خاطر، وإنما يتهدى إليه بعض الأفكار في وقت ما، فيكون من استنباطه " .
وبحكم كونها خاصة فإن تعرُّضَ اللاحقين لها، وتضمينها في بناء خطاباتهم الشعرية يكشف عنه المتلقي، ويدرك أنه اخترق مجال المعجم الدلالي الخاص لدى كاتب أو شاعر، الأمر الذي جعل حازم يطلق عليها مصطلح " العقم، لأنها لا تُنقّح، ولا تحصل عنها نتيجة، ولا يقتدح منها ما يجري مجراها من المعاني، فلذلك تحاماها الشعراء، وسلموها لأصحابها " ، وعابو على ابن الرومي مثلا عندما بنى بيتين على المنوال الدلالي الذي جاء به عنترة بن شداد في وصف الذباب:
وخلا الذباب بها يغني وحده *** هزجا كفعل الشارب المترنم
غردا يسن درا عه بدرا عه *** قدح المكب على الزناد الأجذم
بقوله يصف روضة:
وغرض ربعي الذباب خلالها***كما حثحث النشوان صنجا مشرعا
فكانت لها زنج الذباب هناكم*** على شد وات الطير ضربا موقعا

وإذا كان ابن الرومي قد نحا بالمعنى في وصف الذباب وفعله بالروضة منحى مخالفا لما سلكه عنترة إلا أنهم عابوا عليه ذلك؛ لأن هذه الصورة الدلالية من استنباط عنترة، فجعل " النسيج كله وحدة متكاملة " لا يمكن الأخذ منها لأنها عقيمة، وغير قابلة للتفريع، أو التطوير، وأخذ " المعنى النادر من غير زيادة فذلك من أقبح السرقات " .
إن الملاحظ –إذن – هي العلاقة الدلالية القائمة هنا بين باث وباث آخر للخطاب الشعري، فكما أن المتلقي لا يحده إقليم، ولا يختص به زمن، أو بيئة لغوية، فإن للبث أيضا مميزات مماثلة، فقد يتأثر شاعر معاصر بدلالة لشاعر جاهلي، لكن العكس غير ممكن لأن حركة التاريخ لا تقبل ذلك.
ويصنف الشعراء عبر هذه العلاقة الدلالية داخل الحقل الشعري إلى أصناف وهي: " اختراع واستحقاق وشركة وسرقة، فالاختراع هو الغاية في الاستحسان، والاستحقاق تال له، والشركات منها ما يساوي فيه فهذا لا عيب فيه، ومنها معيبة، وإن كان بعضها أشد قبحا من بعض " .
ويمكن تصور العلاقة كالتالي:








وتهتم الشعريات التاريخية بهذا الجانب من الدرسة حسب ما دعا إليه تودوروف في إطار اهتمامها بدراسة البنية والصورة الشعرية والدلالية على خط الخطاب الشعري في عصر ما أو عصور متلاحقة في لغة معينة، ولن تكون هذه الدراسة كما يقول تودوروف " مختلفة نوعيا عن التي رأيناها مندرجة في مجال الشعرية، ويختفي في الآن نفسه، التعارض المفتعل بين’’ البنية ’’ و ’’ التاريخ ’’، فلا يمكن أن نصف التطور الأدبي إلا في مستوى البنى، ومعرفة البنى لا تُحوّل دون معرفة التحولية، بل إنها السبيل الوحيد الذي يتوفر لدينا كي نطرقها " .
ويمكن من خلال البنى المشكلة للخطابات الشعرية المتعاقبة، إدراك تحولية الدلالة، ولا يمكن إدراك هذه التحولات ومعرفة السرقات أو التطوير إلا في ضوء الشعريات التاريخية التي تعتبر هذه القضية على رأس انشغالاتها في الحقل الدلالي.
3- تأثير الوضع التخاطبي على الدلالة الشعرية:
تتزاحم المعاني وتتدافع في ذهن مرسل الخطاب الشعري، فيجد نفسه مرغما على تصفية واختيار ما يناسب محاكاة وتخييل الشيء، ويكون بمنزلة المتلقي ورتبته، كما ينبغي عليه أن يعي الظروف التي تكتنف الخطاب، وتحيط به لحظة إنجازه، حتى لا يخلط بين ما يجب أخذه، وما عليه تركه لعدم الملاءمة والمناسبة لما هو فيه، إذ لا يجوز للشاعر " وضع شيء من الواجبات وضع المستحيل، ولا أن يوضع المستحيل وضع شيء من ذلك في موطن جد ولا في موطن هزل، ولا في حال اعتدال ولا تحرج " ، فلكل مقام مقال، ولكل مخاطِب ومخاطَب حال، وينبغي أن تقدر الأمور بقدرها، وتحاك دلالة الخطاب حسب الوضع الذي جاءت فيه.
وإذا كان الشعر مبنيا – في مقصده – على إرغام نفس المتلقي وحملها على تقبل الشيء وتحبيبه إليها، أو رفضه وتنفيرها منه، فإن الدلالة الشعرية تأتي مشحونة بمعان تمدح الشيء أو تذمه، ولهذا يجب " أن تكون الأشياء التي تدل على وجوه الأشياء المحمودة... تستعمل في الحمد، كما أن الأشياء الدالة على وجوه الأفعالالمذمومة...تستعمل في الذم " .
وقد غفل بعض الشعراء الوضع الخطابي فذم حيث المدح، أو مدح حيث يجب الذم، أو أسقط ركنا من أركان الدلالة فتسلل إليها نقيض المدلول، لأن الإبانة مع التخييل محور العلاقة الدلالية بين وحدات الخطاب الشعري، ومع ذلك يبقى – كما قال ابن خلدون – " من الأمور المكتنفة بالواقعات المحتاجة للدلالة أحوال المتخاطبين أو الفاعلين، وما يقتضيه حال الفعل، وهو محتاج إلى الدلالة عليه، لأنه من تمام الإفادة، وإذا حصلت للمتكلم فقد بلغ غاية الإفادة في كلامه، وإذا لم يشتمل على شيء منها فليس من جنس كلام العرب، فإن كلامهم واسع، ولكل مقام عندهم مقال يختص به بعد كمال الإعراب والإبانة " ، أي أنه بعد البنية التركيبية، والصورة البلاغية، وهما عنصران في الخطاب، يأتي دور الوضع الخطابي.
ومن الخطابات الشعرية ذات الغرض المدحي التي وقعت في النقيض ما قاله البحتري حين "أنشد محمدا بن يوسف أو غيره من أمراء الثغور :
لك الويل من ليل تطاول آخره *** ووشك نوى تزم أباعره
فقال له الممدوح : (بل لك الويل والحرب) "
كما وقع جرير في الخطإ نفسه وهو بين يدي الخليفة عبد الملك بن مروان عندما قال له : " أتصحو أم فؤادك غير صاح ؟
- فقال عبد الملك (بل فؤادك) " .
ولتجنب هذه النكسة الدلالية وجبت مراعاة " بعد الدلالة عن العموم " .
وقد يقع الشاعر في نقيض المبتغى مثلا في " تمني البؤس حيث يجب تمني النعيم " ، مثلما فعل كثيِّر في قوله : "
ووددت والله أنك بكرة *** هجان، وأنا مصعبهم نهرب
كلانا به عري من يرانا يقل*** على حسنها جرباء تعدي وأجرب
إذا ما وردنا منهلا صاح أهله***علينا، فلا ننفك نرمي ونضرب
فقالت له عزة: لقد أردت بنا الشقاء ! أما وجدت أمنية أوطأ من هذا ! ؟ " .
ولست أدري كيف يستلذ كثير حالا كهذه، وهو مع من لا تصفو له الحياة ولا تحلو إلا بها، كما أن الوصف لا يليق بمتغزل يريد أن يظهر شوقه وحنينه، أو يذكر مناقبه، ومحاسن من يتغزل بها، فوصفها مع نفسه في أردإ الأحوال، وهذا مخالف لما يقتضيه قصد تخييل صورة معينة لهما، وقد اهتمت الأسلوبية المعاصرة بهذا الجانب عندما دعا اللسانيون الروس إلى دراسة النص انطلاقا من ذاته وبنيته؛ لأن السؤال مع هذه المدرسة " عن أدبية المكتوب، أو عما يشكله الفن – بدقة – عبر الكلمة قد برز إلى المحل الأول " .
يمكن -انطلاقا مما سبق في النموذجين الشعريين (المدح والغزل)- أن ندرك علاقة الدال، والمدلول الشعري بالوضع التخاطبي، فيكون " الوضع المؤثر وضع الشيء اللائق به، وذلك يكون بالتوافق بين الألفاظ والمعاني والأغراض من جهة ما يكون بعضها في موضعه من الكلام متعلقا ومقترنا بما يجانسه ويناسبه ويلائمه من ذلك، والوضع الذي لا يؤثر يكون بالتباين بين الألفاظ والمعاني والأغراض من جهة ما يكون بعضها في موضعه الكلام معلقا ومقترنا ما يناقضه ويدافعه وينافره "
فالمناسبة والملاءمة والمجانسة التي يريدها الشاعر دائما قد يحصل في بنيتها الدلالية عكس المتبغى من منافرة ومناقضة ومدافعة، فتؤثر على النفوس سلبا كما وقع للبحتري مع محمد بن يوسف ولجرير مع عبد الملك بن مروان، وكثير مع عزة، والعلة في ذلك انعدام المناسبة مع الوضع التخاطبي للدلالة الشعرية.
وخلاصة ما يمكن التوصل إليه في العلاقات السياقية، وتأثيرها على الخطاب الشعري هو الحضور المميز والمكثف للعوامل المحيطة بميلاد خطاب شعري نوعي، حيث لاحظنا في الفصل الأول الهيمنة المطلقة للمتلقي، وبروز الوظيفة التعبيرية إلى جانب الوظيفة الشعرية التي يختم بطابعها كل خطاب نوعي شعري، أما الفصل الثاني فندرك من خلاله دور المكونات الدلالية في إجلاء المعاني ووضوحها، أو انبهامها وغموضها، كما تبين لنا من خلال تحديد مواطن الغموض أن ظاهرة الغموض الدلالي في الخطاب الشعري قد تقع في دلالته من خلال المدلول أو الدال، أو من خلالهما مجتمعين ليتشكلا مع بعضهما مكونين العلامة، أو سلسلة علامات يتحد فيها الدال مع المدلول كما وضح ذلك (دوسوسير) في محاضراته في الألسنية العامة، وبالتالي تهيمن الوظيفة الشعرية، لأن التركيز منصب على الرسالة، ومحاولة إجلائها وتوضيحها.
أما الفصل الأخير، فنستنتج منه تلك العلاقة القائمة بين الخطاب، وما يحيط به من ظروف عارضة للمتلقي، أو المخاطب، أو الخطاب ذاته.
وبهذه الفصول المشكلة لباب الأصول الدلالية في الخطاب الشعري يمكن إثبات الدور الرائد للجانب الدلالي (المكونات الداخلية للخطاب)، كما يمكن وضع جملة مقولات دلالية تخص الجانب الشعري دون الجوانب الأخرى من الإنتاج اللفظي، لأنه لا يركز على دلالة الكلمة بمعزل عن الكلمات الأخرى المجاورة لها، سواء أكانت سابقة أم تالية لها، لأن القضايا الدلالية هنا تأليفية خالصة، وليست معجمية اختيارية معزولة.
لكن هذا لا يعني بتاتا أن هذه المقولات الدلالية كفيلة بالجواب على التساؤل المطروح في حقل الشعريات حول مدلول مصطلح " شعر " ، ومن ثمة حول خصائص ومميزات هذا الخطاب النوعي، وإنما هناك مقولات بنائية أخرى في غاية الأهمية لتمييز هذا الخطاب عن غيره من الخطابات النوعية الأخرى .



[b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ghilous.hooxs.com
 
أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة 3 دراســـــة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة دراســـــة
» أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة 2 دراســـــة
» أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ دراســـــة
» الأبعاد النفسية للأساليب الشعرية تتمة
» الدراسات اللسانية العربية من الجذور إلى عصر اللسانيات الحديثة تتمة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية  :: لغويات :: لسانيات-
انتقل الى: