التعاسة ليست في الحياة وإنما
ظلم الناس بعضهم لبعض
فالإنسان هو الإنسان بالرغم
من المأسي
بن أدم
جنس آخر
استقرت خطوط الشفق في الأفق تتراقص حينا وتتصارع أطوار أخرى ، توقف الزمن للحظات ليفسح المجال للتموقع ، عادت أسراب الوحوش مسرعة لأخذ قسط من الراحة ، فالحياة جولات وصولات ، بدأ خيط النور يخفت ويبهت ، هجم الظلام بانسياب دون ضجة يطوي رداء النور الخانس و كانسا رذائل بني البشر وفضلاتهم ،معطرا بشذاه وعبقه تاج صدر النسيم المسافر ، عمت الوحشة وسكن من كانت به الروح .
ترسل الأضواء أنوارها الباهتة تنير بعض المسارات ، معلنة عن عودة جزء من الحياة .
تهب ريح عليلة محملة بزخات المطر البارد ، يشعر المخلوق بذاته الذليلة الهينة التي لاتساوي جناح بعوضة ،يتوقف الوقت للحظة يتفقد ويرقب ، لكنه سرعان ما يركن إلى زاوية مظلمة. يمر شبح أسود دون أن يعبأ بوجود أحد ولايكترث حتى وإن وجد ، اعتاد المجيء في هذه الساعة المتأخرة ، يجر سرابيله الرثة التي تفوح منه روائح الزمن القذر ، ويغني وتارة يهمهم كان يضم بقوة إليه هائما وتائها دون وجهة ، يغدو ويروح ثم تسمر في مكانه على بطن الرصيف الغرانيتي البارد ،
لف برنوسه المزركش بألوان الطبيعة ، يخصف ما جلى من بطه المنتفخ ، يضغط على كفيه نافخا فيهم لتسخينهم ، تسمع حشرجة مبحوحة منهوكة في هذا السكون ، يلتف إلى صوت سيارة الشرطة تمر في دورية معتادة تتفقده ثم تنصرف يعود أدراجه إلى نهاية الشارع ، وكأنه قد نسي شيئا مهما ، لكنه يقرر الذهاب وهكذا دواليك .
يبتسم الزمن لأفعاله اللاإرادية .كان لايعبأ لأحد . لاتزعجه الجرذان ولا الكلاب المسعورة ولا القطط المشردة .
أنهى جدول أعماله يجلس برهة على طوبة من الأسمنت مطأطأ رأسه ، يلملم كيسا أسودا يبرز ملامحه في سواد الليل السرمدي مخدته المرقعة ويجذب إليه بقايا الكارتون وينبطح أرضا ويغرق في سره العالق في زجاجة الخمر التي يترشفها يمارس من خلالها طقوس الوحدة والحرية التي تفرد بها عن غيره يستعيد ما سلب من إنسانيته .
يتسكع في عمق حكايته الممزقة يفتش في خباياها عن ذكريات تعيده إلى الزمن الفتوة الجميل .تقل حركاته ، يغمض عيناه الغائرتين نأى عنهما ضوء القمر خارت قواه تنهد سمعت صرخته في أخر المدينة ، استسلم ......استسلم تمدد وتمدد حتى زاحم جيرانه .
استمر في غطيطه وشخيره نام ونام ، ولحظة يقوم مفزوعا من أصوات أرتال من الكلاب المنتاحرة المتصارعة على بقايا العظام .
راقبها حينما ابتعدت عاد إلى ضم مخدته الحبيبة التي تمنحه الدفء والطمأنينة ، تبلله قطرات المطر التي زادت عن الحد ، لملم نفسه تحرك إلى زاوية المخبزة التي تبعث حرارة تعينه على النوم أستند إلى الحائط وحط رحيل جفونه نهائيا نام ونـــ................................ام
الأستاذ غيلوس صالح