خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية

المعرفة للجميع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأصول البنائية للخطاب الشعري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
غيلوس
Admin



عدد المساهمات : 60
نقاط : 147
تاريخ التسجيل : 17/04/2009

الأصول البنائية للخطاب الشعري Empty
مُساهمةموضوع: الأصول البنائية للخطاب الشعري   الأصول البنائية للخطاب الشعري Icon_minitimeالإثنين مايو 09, 2011 11:27 am
















إذا سلمنا – من أول وهلة – بأن الخطاب الشعري خطاب نوعي مادته الأولية هي الدوال اللغوية من أصغر وحدة لغوية وهي (الصوت)، إلى أكبر وحدة دالة وهي البنية التركيبية، وعلى حسن توظيف هذه العناصر اللغوية تتمايز وتتفاوت المادة المهيكلة داخل الخطابات المختلفة المقصد والمصدر، وتزداد وتنقص شعريتها في ضوء ما يأتلف " بإسقاط مبدأ المماثلة من محور الاختيار إلى محور التأليف " ، لتنتقل الدلالة من وجودها العام، وشكلها الخام، إلى البناء المميز الذي يختلف من فرد إلى آخر فيصير كلاما محدد الهوية.
وقد لخص حازم دور البنية في جودة التأليف وحسن النظم وتعالي الخطاب، وتأثيرها على النفوس عندما ذهب إلى أن " الأقاويل الشعرية يحسن موقعها من النفوس من حيث تختار مواد اللفظ وتنتقي أفضلها، وتركب التركيب المتلائم المتشاكل، وتستقصى بأجزاء العبارات التي هي الألفاظ الدالة على أجزاء المعاني المحتاج إليها حتى تكون حسنة إعراب الجملة، والتفاصيل عن جملة المعنى وتفاصيله " .
غير أن الملاحظة الجديرة بالذكر هنا تسجيل الحذر الشديد الذي نتوخاه في هذا الباب كي لا نقع في أخطاء الكثير من الدارسين الذين فصلوا الدلالة الشعرية (المضمون) عن البناء (الشكل) لحظة الدراسة، بنية فصل الجوهر عن المادة لا غير، وإنما نريد بهذا الفصل لدلالة الخطاب عن بنائه لأغراض جمة أهمها: الالتزام بالتبويب الذي اقترحه حازم لدراسة القوانين الشعرية بدءا بالدلالة، ثم البناء، ثم الأسلوب. وثاني هذه العلل منهجي محض، لأن الفصل بينهما يجنبنا الخلط بين مكونات وقوانين كلا المجالين، كما يساعد القارئ على الفهم الفوري، حيث يتوجه فكره صوب قوانين ومبادئ مظهر شعري واحد، لكن تعدد مكونات مظهرين يربك الفهم، ويعرقل الإدراك الشامل لمكونات كل مظهر منهما مفردا.
أما المبدأ الأخير فتعلله الدراسة الحديثة التي أثبتت من خلالها اللسانيات المعاصرة احتواء العلامات اللغوية على " الصورة السمعية والتصور وذلك ضمن حدود الكلمة مقدرة كمجال مغلق موجودا في ذاته " ، ويمكن تجسيدها سمعيا أو خطيا في علامة أو سلسلة علامات، وبالتالي يمكن دراسة مميزات الدال والمدلول بمعزل عن بعضهما ولو لحظة الدراسة فقط.
يتبين مما سبق أن منحني الباب الثاني سيتجه صوب المكونات والأركان البنائية للخطاب الشعري، بدءا بالكلمات والعبارات في البنية النظمية ثم البنية الوزنية التي يعزف الشاعر بواسطة حركاتها وسكناتها كلماته الشعرية ذات البعد الموسيقي، مع إبراز تأثيرها على البنية والدلالة والمتلقي ومدى انسجام بنية وزنية مع غرض معين دون آخر، حسب مقاصد الشعراء.





الفصل الأول: القوانين البنائية لنظام الدوال

كل ما يقدمه حازم بشأن أي مادة تكون له علاقة مباشرة بنظام وقوانين الشعرية إلا ويربطه مباشرة باللياقة الأدائية للمرسل، باعتبار أن قيمة كل عمل إبداعي يتوقف حجمها منذ البداية على المرسل كي تكون الرسالة فنية نوعية، ويكون المتلقي على استعداد لاستقبالها، ولهذا قدم لنا بعض الخواص الفنية التي يتمتع بها الشاعر، وكيف تجعل هذه الخواصُّ الناسَ أصنافا في نظم الشعر، وبناء خطابه، ليقترح في نهاية المطاف جملة قوانين تمثل نماذج عامة لتوجيه عملية بناء هذا الشعري.
1- مراتب الشعراء في بناء الخطاب الشعري:
يعتبر حازم الشعر أو ما أطلق عليه اسم " النظم صناعة آلتها الطبع، والطبع هو استكمال النفس في فهم أسرار الكلام، والبصيرة بالمذاهب والأغراض التي من شأنها الكلام الشعري أن ينحى به نحوها، فإذا أحاطت بذلك علما قويت على صوغ الكلام بحسبه عملا، وكان النفوذ في مقاصد النظم وأغراضه وحسن التصرف في مذاهبه وأنحائه وإنما يكونان بقوى فكرية واهتداءات تتفاوت فيها أفكار الشعراء " .
والمتأمل في هذه المقولة يتبين له أن النظم، أي تشكيل وتركيب بنية الخطاب الشعري ترجع في أساسها إلى ملكة توجد في الإنسان بالطبع، ومن ثمة تتفاوت درجات الشعراء في النيل من هذه الملكة، لكن هذه الملكة تتطور وتنمو في رحم المكتسبات الاجتماعية اللغوية والفنية وغيرها، فكلها " تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع، والتفطن لخواص تركيبه، وليست تحصل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك التي استنبطها أهل صناعة اللسان " .
وهذه العملية ليست طلبا لفروع اللسانيات، والتمكن من أصول ومبادئ علوم اللغة، وإن كان هذا أمرا ضروريا وإنما بالاكتساب والدربة، من خلال القوى المساعدة على تنمية الطبع الشعري، وتشغيل الآلة الفكرية الشاعرة، والتي لا تحصل للإنسان لحظة ولادته، بل بعد الصقل المتواصل والتعود المستمر، وهذه القوى هي :" القوة على التشبيه [...]، القوة على تصور كليات الشعر [...]، القوة على تصور صورة القصيدة [...]، القوة على تخيل المعاني بالشعور بها [...]، القوة على ملاحظة الوجوه التي بها يقع التناسب بين المعاني [...]، القوة على التخيل في تسيير تلك العبارات متزنة [...]، القوة على الالتفات من حيز إلى حيز والخروج منه إليه والتوصل به إليه [...]، القوة على تحسين بعض الفصول ببعض والأبيات بعضها ببعض [...]، القوة المائزة حسن الكلام من قبيحه ... "
وبما أن مرسلي الخطاب الشعري في هذه القوى مراتب ومنازل ومستويات، فإن حازم قسمهم ووضعهم على سلم هذه المراتب، وصنفهم في ثلاث طبقات (مراتب):
أ-1- المرتبة العليا: وهم الذين يتوفرون على لياقة أدائية شاعرة عالية لأنهم " يقوون على تصور كليات المقولات ومقاصدها ومعانيها بالقوة قبل حصولها بالفعل، فيأتي لهم بذلك تمكن القوافي وحسن صور القصائد، وجودة بناء بعضها على بعض ... " ، وهذا البناء الشعري الذي يشكله أصحاب هذه المنزلة سائغ لأنه قمة الفن اللفظي، أو الثقافة اللفظية باعتبار منتجيه، أما باعتبار الخطاب ذاته، فإن " كل ثقافة لفظية تستلزم مؤسسات معيارية وبرامج وتصاميم " كي يتحقق التناغم والانسجام بين وحدات الخطاب الأولية، وأصحاب هذه المرتبة هم الذين أطلق عليه اسم " الشعراء في الحقيقة " .
أ-2- المرتبة الوسطى: وتكون منزلتها بين الطبقة العليا والطبقة السفلى، فيكونوا " شعراء بالنسبة إلى من دونهم، غير شعراء بالنسبة إلى من فوقهم " فيأتي خطابهم الشعري وسطا بين المنزلتين.
أ-3- المرتبة السلفى: وتكون خاصة بمن ينسبون إلى الشعر وما هم بشعراء لأنهم بنوا خطابهم على منوال غيرهم، لافتقارهم إلى قوة التخييل، وجودة المحاكاة، وحسن تأليف الأبنية، ولهذا نجد منهم " طائفة لا تقتنص ولكن تتلصص، ولا تتخيل بل الإغارة على معاني من تقدمها وإبرازها في عبارات أخر، والنمط الثاني لا يتخيل ولا يتحيل، ولكن يغير ولا يغير، والنمط الثالث وهو شر العالم نفوسا، وأسقطهم همما، وهم النقلة للألفاظ والمعاني على صورها في الموضع المنزل منه من غير أن يغيروا في ذلك ما يعتد به " ، وانطلاقا من هذه الاعتبارات المتعلقة بمرسل الخطاب الشعري تختلف أبنية الخطابات وتتفاوت في المنزلة أو المستوى الذي يمكن أن يكون وعاء طاقتها التعبيرية، ويبرر تصنيفنا هذا تقسيم حازم لأصناف التعامل مع الصورة الذهنية، والصورة السمعية للخطاب، فالشعراء "في تهدّيهم إلى العبارات التي ترد على الأفكار أو ما ترد عليها متزنة منطبعة على مقدار الكلام المقفى ومقطعه وإلى العبارة التي ليست توجد أول ورودها على الأفكار متزنة منطبعة على ما يراد صوغ الكلام بحسبه، لكن توجد قابلية لأدنى تغير يصيرها منطبعة على ما يرد من ذلك مراتب ثلاث"
ويتساوق هذا التقسيم السابق كما سنلاحظ فيما بعد – تبعا لطبقات الشعراء وقدراتهم التي رتبناها في" مرتبة عليا " و " مرتبة وسطى" و"مرتبة سفلى"، فجاء تصنيف الشعراء المرسلين للخطاب الشعري لحظة إنجازه وربطه بنائيا بثنائية العبارة والوزن، أي أن الشعراء لحظة استحضار عمليتي التخيل والمحاكاة يتخيرون العبارات والتركيبات المناسبة للدلالات مع موازاته ومساواته للبنية الوزنية الإيقاعية للقصيدة، وهم في السرعة والقدرة على استحضارها ثلاث أصناف:
-الصنف الأول: يركز أصحاب هذه المنزلة على " الهيئات التي تكون نقل الحركات والسكنات فيها بحسب ما يقتضيه الوزن الذي يريد بناء كلامه عليه فيولج به الخاطر إلى اللسان موزونا " . وأعتقد أن هؤلاء كما يقول تودوروف يميلون إلى" الاغتراف من معين الصيغ الجاهزة [...]ويجرنا هذا إلى نظرية عامة في القوالب الجاهزة التي يمكن أن تكون أسلوبية، أو عرضية، أو سردية في آن واحد والتي تقوم بدور حاسم في بناء معنى خطاب ما " .
وهذا الاعتماد على القوالب الجاهزة ليس عجزا في طبع المرسل، وإنما لما يتوافر عليه من لياقة، وقدرة على نظم الشعر، وإن كان غير سالم من التوعّر الذي تصطدم به قريحته الشاعرة الناظمة لاعتبارات منها ما له علاقة بالمرسل ومنها ما له علاقة بالخطاب ذاته.
فأما ما يرجع إلى الشاعرالمرسل للخطاب " فمنها : أن يكون بالخاطر كسل [...] وإما أن يكون الخاطر قد شغله تلفت إلى غير الغرض الذي هو آخذ صوغ العبارة له [...] وإما أن يدركه سهو فينصرف عن الوزن الذي هو آخذ فيه إلى ون يقاربه على سبيل الغلط [...] والسبب الرابع من عوادي الشاعر عن التسرع في وزن الكلام أن تكون مواد العبارات في الذكر قليلة، فيعز وجود ما يجيء من العبارات عفوا من غير احتيال ولا تكلف لذلك " .
ويفسر لنا ذلك الدكتور عبد السلام المسدي باعتبار أن " اللغة مفروضة على الأديب من الخارج والأسلوب مجموعة من الإمكانيات تحققها اللغة ويستغل أكبر قدر ممكن منها الكاتب الناجح أو صانع الجمال الماهر الذي لا يهمه تأدية المعنى فحسب، بل ينبغي إيصال المعنى بأوضح السبل وأحسنها وأجملها " .
وكل هذه الفلتات والعوادي التي تصيب الشاعر لها علاقة مباشرة بالوضع النفسي، والوضع الذهني اللذين يكون عليهما الشاعر، ولهذا نصح أبو تمام أبا عبادة الوليد بن عبيد البحتري بأن يحسن تخير الوقت الذي ينبغي له فيه نظم ما يريد على أجمل وأكمل وجه، فقال له ناصحا: " يا أبا عبادة‌ ! تخير الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم، وأعلم أن العادة في الأوقات أن يقصد الإنسان وقت السحر، وذلك أن النفس قد أخذت حظها من الراحة، وقسطها من النوم ... " .
وأما ما يرجع إلى طبيعة الخطاب ذاته فتبرر حدوثه فيه تلك الطبيعة الجدلية بين المادة والجوهر، أو بين بنية الخطاب ومحتواه، فقد " يكون قدر الوزن فوق قدر المعنى، فيحتاج إلى إعمال الحيلة فيما يستحسن من الحشو [...]، أو يكون قدر المعنى فوق قدر الوزن، فيحتاج إلى الحذف والاختصار [...]، أو يكون المعنى دقيقا داعيا إلى إيراد العبارة عنه على صورة يقل ورودها عفوا [...]، فلا يتمكن الخاطر من إيرادها موزونة إلا بتعمُّل ومحاولة ... " .
ولتخطي هذه المفارقات بين البنية المادية للخطاب، وبنيته الوزنية يجب إحضار العقل للتمعُّن، والروية والتدقيق، إذ لا مجال للعفوية فيها، بل لا بد من "الكفاءة الأدبية Literary competence " والتي تعتمد عند (كلور) " على الدربة والتمكن " ، فيضاف إلى جانب الدربة التي تعتمد على القوالب الجاهزة " التمكن " الذي يحتاج إلى التحرِّي، وإعمال العقل، وإبعاد الخطاب عن مجال العفوية والارتجال، ومصطلح الكفاءة هو امتداد المدرسة التوليدية التحويلية لتشومشكي ليلج عالم الخطاب النوعي الأدبي بواسطة طرح (كلور) حول الأدب.
- الصنف الثاني: وهم وسط المرتبتين (العليا التي فصلنا في مميزات أصحابها، والوسطى الآتية فيما بعد)، والفرق بينهم وبين الصنف الأول هو العامل الزمني، إذ لكل منهما قدرة شاعرة ناظمة غير أن هؤلاء ليسوا أكفاء للإتيان بالعبارات الموزونة مباشرة إلا نادرا، وإنما جهدهم في إيجادها يسير، وبرر ذلك حازم بأن هذا الصنف " ليس له القوة على إحضار العبارة متزنة على البديهة إلا في قليل من المواضع، بل يحضر العبارة بحيث تقبل التغيير والتصيير إلى الوزن المقصود بأدنى سعي " .
- الصنف الثالث: ويضم زمرة الشعراء الذين يجهدون أنفسهم، ويرغمونها على نظم الخطاب الشعري، فنجدهم يفتقدون القدرة " على إحضار العبارات متزنة أول إحضارها، و يحضرها مع ذلك غير قابلة التغيير إلى الوزن إلا بكد وتعب " .
ومهما ينبني نسيج الخطاب على منوال معين فإن العبرة في الشعريات

التاريخية ليس الارتجال وسرعة النظم، وتشكيل البنية المكوَّنة من سلسلة دوال داخل بنية وزنية وإيقاعية ختامية معينة، وإنما المعتبر هو البحث والكشف الجيد عن الدوال المصاحبة والملازمة للخطاب لا الكيفيات، والمعادلات الزمنية التي أنتجته، أو أُنتج في إطارها؛ لأن " الشعر نسيج من العلل الاجتماعية والكونية يخضع للبحث خضوع المادة لتجارب العلماء " .
فلا يعتبر إذن العنصر أو العامل الزمني عنصرا ضروريا في تصنيف الشعراء من زاوية بناء هيكل الخطاب الشعري الذي يشحن بدلالات تتخذه لباسا لها، فصاحب " القوة القوية على النظم قد يوجد أبطأ في القول من ذي القوة التي ليست متناهية، وذلك إذا قصد إبعاد الغاية في الروية والتنقيح فتطلب المعاني الشريفة، ونزع بها المنازع اللطيفة، وجهد في إبرازها من العبارات في صور بديعة، فيحتاج في كل ذلك إلى تنقيب وفحص، ويحتاج معها في قليل القول إلى كثير الزمان " .
فالخطاب الشعري حصيلة عملية تأمل، وتنقيب، واستخراج، وهيكلة مع جودة النظم، وجمال الصورة وإن استغرق ذلك زمنا طويلا، لذا من العيب وسوء الفهم لحقيقة الشعر أن تنسب " سرعة الخاطر إلى الشاعر فيما لا يجب فيه أن ينسب إلى السرعة، وينسبون الإبطاء فيما لا يجب أن ينسب إليه بطء " .
ومع كل هذا يبقى العامل الزمني ميزانا تقاس به قوة الشعراء الناظمة باعتبار العلاقة بين الشاعر ونظمه، إذ هناك كما بينّا ما يحتاج إلى تأني، فيما يحتاج نظم آخر إلى روية وفسحة ومتسع من الزمن، وهذا العامل الزمني هو الذي ترتسم في ضوئه ملامح خطاب فتميزه عن الآخر، ويحدد هوية الأسلوب الفردي فيمكننا هذا العامل من تمييز فقرة " إن كانت للجاحظ أم لأبي الفرج، أو كانت لطه حسين أم للمسعدي، أو كانت لابن خلدون أم لغيره " .
كما يمكن ملاحظة الفارق الزمني بين أرباب هذه الصناعة أو هذا الفن، وضعاف الشعراء" فربما نظم الأقوى الثلاثين بيتا فما فوقها خلال ما ينظم الأضعف عشرة أبيات فما دونها، بل قد يربي عليه إرباء أكثر تتمن هذا " . ويؤخذ معيار الفارق الزمني مقياسا للتمييز بين الشعراء باعتبارين:
أولهما: باعتبار القدرة على الغوص في أعماق الأبنية للتنقيب عن أصداف الدلالة الشعرية، إذ يحتاج البعد فيها إلى طول الزمن، وبالتالي نقدر الحجم الزمني على قدر هذا البعد.
ثانيهما: باعتبار القوة الناظمة، وهي التي تحدد أصناف الشعراء في القدرة على استحضار العبارة الموزونة دون عناء، أو بعده أو وسطا بينهما.
2- العامل الزمني في معادلة البنية الشعرية:
تأتلف بنية الخطاب الشعري لحظة ميلاده على أشكال متباينة في القوة والرصانة والجمال والتنقيح، ويعود ذلك إلى المعيار الزمني الذي ينجز فيه المرسل خطابه، فإذا أرسله إلى الملتقى مباشرة دون نظر وروية وتأمل، فإن بناءه يكون سريعا، وبنيته تميل إلى البساطة والتساهل في أمور كثيرة من القوانين الشعرية، لضيق المساحة الزمنية، وقصر المدة المتاحة لمثل هذه الخطابات، بينما إرسال الخطاب على مهل وروية وإمعان وتدبر وإعادة النظرة بعد النظرة ينعكس على بنيته الرصينة، التي تتميز بالتعقيد وبعد النظر بحكم الفسحة الزمنية المتاحة لهذا الصنف من الخطابات الشعرية للتدبر وإضافة ما يمكن إضافته، وحذف ما يجب حذفه بعد إدراك المبتغى، وذلك بإعداد قوالب شعرية خاصة وجديدة، فيما يعود المرتجل إلى " القوالب الجاهزة " .
وعملا بهذا يصنف حازم نوعين من الخطابات الشعرية باعتبار أحدهما ارتجالي، والثاني متروٍ فيه ومنقح ومدروس.
2-أ- الخصائص البنائية للخطاب الشعري المرتجل:
إن أهم خاصية يتميز بها المرتجل تتعلق بمآخذ القول حيث تكون " قريبة سهلة لكون ضيق الوقت يمنع من بعد المذهب في ذلك " ، ويتطلب ضيق الوقت قسطا من التجاوز " في كثير مما يتأنق فيه المروى ويقبل الكثير مما لا يقبله المهذب المنقح لضيق الوقت عليه واتساعه على ذلك " .
ويمكن أن نعتبر المرتجل من الشعر هو بداية الشعر المنقح المهذب " فمجرد تعبير الإنسان عن فكرة ما شعرا بدل تعبيره عنها نثرا يعد تنبيها للمتقبل إلى أن النص – فضلا عما يحمله من دلالات أولية تكون بنية رسالته – قد استحال في صياغته دالا متصلا بنظام بلاغي غير النظام اللساني البسيط" ، لكن هذا لا يعني إطلاقا غياب جمالية الخطاب المرسل، وإنما يتفاوت في درجة الرصانة والمتانة.
والميزة الثانية مرتبطة بمنتج الخطاب ذاته، حيث نجد المنقح يعرض الخطاب على نفسه مرة بعد أخرى بينما المرتجل لا يتوانى في إرسال خطابه مباشرة دون إطالة تنقيح وتهذيب، ولهذا يأتي متباينا من شاعر إلى آخر حسب القدر الزمني المتاح، فيأتي أنماطا منها : " مستقصى مقترن [...] ومستقصى غير مقترن [...] ومقترن غير مستقصى، وغير مستقصى ولا مقترن ... " .
ويقصد بالاستقصاء تحليل أجزاء المقصود بمضمون الخطاب " فيكون مستقصى فيه ما كان من صفات الشيء المقول فيه لائقا بغرض القول " ، وأما المقترن فالمقصود به في " الأقاويل البديهية " المرتجلة تضمين الخطاب معان أخر لها صلة دلالية بالمقصود مباشرة، فتقترن بني المعاني الرئيسية التي لها علقة بالموجود الموصوف مباشرة داخل الخطاب " ومعان أخر يكون لها به علقة ولها إليه نسبة على سبيل تشبه وإحالة أو تعليل أو تتميم أو غير ذلك مما يكون به بعض المعاني بسبب من بعض، أو تكون المعاني المتعلقة بالشيء الموصوف غير مقترن بها شيء من المعاني " .
2- ب- الخصائص البنائية للخطاب الشعري المنقح:
إن مصطلح " التروّي " يقابل في الشعريات العربية مصطلحا موازيا له، وهو " الارتجال "، فإذا كان في الارتجال يتم كل شيء بسرعة وبطاقة إنجازية أقل قوة وحدة، فيحتاج صاحبه إلى قليل من الوقت لكثير من الكلام، بينما الروية تحتاج إلى وقت طويل يتوزع على فترات ومراحل متقطعة، فيتأمل المرسل ما قدمه من خطاب وحده قبل أن يقدمه جاهزا للسامعين، فشغل المرسل في البداية عمليتين: الأولى عملية الإرسال، والثانية عملية التلقي، حتى يدرك مقدار الملاءمة الممكنة، أو ما يجب أن تكون بين ما أنجز، والمتلقي الواقعي، وإذا سمع من نفسه لحظة التنقيح " تركيبا غير جار على ذلك المنحى مَجَّه، ونَبَا عنه سمعه بأدنى فكر بل وبغير فكر " ، لأن فكره لحظة الإنجاز كان منصبا على حسن اختيار الصور المحاكية للإطار المرجعي الموصوف، فإذا عاد متأملا البنى التركيبية التي وظفها في تلك الفترة الزمنية التخييلية وجد نفسه عندما تلقاها أنه بحاجة إلى إعادة صياغتها بطريقة أجمل من الأولى، وأكثره متانة ورصانة، فينشئ بناء محكما من تخييل مُوهِم، ومحاكاة جميلة تستهوي مجتمعة نفس المتلقي، ويبرره حازم بكون المباحث في الروية كثيرة " والمذاهب فيها بعيدة لكون الزمان فيها يتسع لطلب الغايات المستطاعة من بناء الكلام على ما قدمته من أصناف محاسن الألفاظ والمعاني، وإبداع النظم والتأنق في إحكام الأسلوب " ، وتمر عملية التروي عنده عبر مواضع لا بد من الوقوف عندها بحيث تهمين في كل موضع قوة معينة من القوى الشاعرة:
" فأما الموطن الأول فالغناء فيه لقوة التخييل، والموطن الثاني الغناء فيه للقوة الناظمة [...] والموطن الثالث الغناء فيه للقوة الملاحظة كل نحو من الأنحاء التي يمكن أن يتغير الكلام إليها [...] والموطن الرابع الغناء فيه للقوة المستقصية الملتفتة " .
وعبر هذه المراحل لا مناص للشاعر فيها من تقصي واستخلاص " أصول الجمال من الوجهة البلاغية " ، لأن الخطاب الشعري ليس خطابا إبلاغيا بالدرجة الأولى، بقدر ما هو خطاب بلاغي فني، فالمعاني – ومن ثمة القيمة الإخبارية – " مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي، والبدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج وكثرة الماء، وفي الطبع وجودة السبك، وإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير " .
ويهدف أصحاب الروية إلى تجسيد وتحقيق ميزتين يختص بهما كل فن شعري قصدي منقّح مهذّب وهما:
-الميزة الأولى: الاستجداد وهو محاولة إيجاد نمط تركيبي أو دلالي من إنجازهم الخاص، فيبذل الشاعر جهده " في ألا يواطئ من قبله في مجموع عبارة أو جملة أو معنى " . لأننا نعرف أن الحقل الدلالي والتركيبي حقل غني ووفير، وبإمكان الشاعر ألا يقع في تكرار إنجازات الأولين، وهو ما نبه إليه (كروتشيه) المستغلين الحقل اللغوي، حيث دلهم على أن أبواب اللغة كلما طرقناها "انفتحت لنا عن بعد أو ظاهرة جمالية جديدة [...] وبحسب ما أنشأه (كروتشيه) إنما هو تصور أسلوبي، إذ أن الشكل العادي للتعبير عند (كروتشيه) دائما خيالي، موسيقي، شعري، بقدر ما هو تعبيري "
- الميزة الثانية: التأنق ويسعى الشاعر من خلاله بلوغ المرام، في بناء هيكل الخطاب الشعري وذلك بطلب " الغاية القصوى من الإبداع بوضع بعض أجزاء العبارات والمعاني من بعض وتحسين هيآت الكلام في جميع ذلك " ، ويتحقق هذان العنصران الهامان في كل خطاب شعري يسعى إلى التميز والتفرد، فإذا تحقق فيه الميزتان"وقعت في النفوس أحسن موقع" ، وهي الغاية القصوى من إرسال الخطاب الشعري.
أما بالنسبة للأقاويل الشعرية في علاقتها بالأنماط الأربعة السالفة الذكر في خصائص المرتجل، فإن المتروي يأتي فيها على شاكلة الأنماط الثلاثة الأولى فقط وهما (المستقصى المقترن، والمقترن غير المستقصى والمستقصى غير المقترن).
وبما أن في المتروي متسع من الوقت لقائله أي يوجد الشاعر فيه فضاء زمانيا رحبا يشرح فيه أجزاء خطابه ويركبها كيف ومتى أراد، فتأتي بنيته غالبا على النمط الأول المستقصى المقترن، لأن الشاعر يستقصي كل صفات الشيء المحاكى، كما يقرن بها ما ينتسب إلى هذا الشيء، أو له قرينة بصفاته الواردة في الخطاب.
ومما سبق يتبين أن تأثير الارتجال ذي القوالب الجاهزة، والرؤية المتأنية على بنية الخطاب الشعري منشأه الأول هو الفضاء الزماني، إذ يضيق في الأول، وبالتالي يتساهل الشاعر في تجاوز بعض القواعد الشعرية فيهمشها، لأن المعيار الزمني يخول له ذلك، ويتسامح معه في هذه القواعد، كما يرسل الخطاب للمتلقي مباشرة، بينما يتسع الفضاء الزماني لأصحاب الروية، فيقلّبون صفحات خطابهم مرارا، وبالتالي يراجعون بعض ما يقع فيه المرتجل، فيلقونه على أنفسهم قبل إلقائه إلى السامعين، فيأتي منقحا مهذبا، يتميز بالرصانة وقوة العبارة وجودة التركيب.
3- المقومات الجمالية للبنية الشعرية:
كما للبنية الدلالية أركان ومقومات ترتقي بالخطاب الشعري إلى أعلى مراتبه عند من أحسن التصرف فيها وسخرها وقوانينها على الوجه الشريف منها، فللبنية الخارجية ذات البعد التركيبي الشكلي مبادئ ومقومات، أو قل قواعد كلية ينبغي على من أراد النجاح، في تجربته الشعرية " التهدِّي إلى العبارات الحسنة " .
ويبدأ التهدي من أبسط وأصغر وحدة وهي (الصوت) ونطقه، ثم اللفظة وتركيب حروفها (الأصوات مجتمعة داخل وحدة دلالية عى شكل سلسلة متتالية)، ثم البنية التركيبية وخواصها الشعرية، وحجم انسجامها مع قواعد اللسان الذي ولدت فيه التجربة الشعرية.
3- أ- اختيار المواد اللفظية: وتتشكل المواد اللفظية من شطرين أحدهما صوتي خارجي، حيث تكون اللفظة جيدة، فينزل " اللفظ المنزلة اللائقة في سياق الكلام " ، ولا تنزل منزلتها، وتوضع في الموضع اللائق بها إلا عبر اختيار اللفظ الواحد من بين زمرة ألفاظ مماثلة له دلاليا ، وتختلف عنه من حيث تشكليها الصوتي بطريقة استبدالية ، فيختار الشاعر اللفظة التي " تحسن في ملافظ حروفها وانتظامها وصيغها ومقاديرها واجتناب ما يقبح في ذلك " .كما ينبغي أن يختار شطرها الدلالي الذي يشكل جزءا في المعادلة الدلالية للمواد الشعرية الكلية فتختار " بحسب ما يحسن منها باعتبار طريق من الطرق العرفية، وتجنب ما يقبح باعتبار ذلك " ، لأن العرف اللغوي الاجتماعي ينزل كلمات منزلة السوء، فيما ينزل بعضها منزلة دلالية محبوبة من قبل المستمعين عندما تقع أصواتها على آذانهم وتتشكل المعاني في أذهانهم.

3- ب- حسن تركيب العلامات اللسانية :
وذلك من حيث تلاؤمها باعتبار الحروف، حيث تأتلف " بعض حروف الكلمة مع بعضها " ، وباعتبار الكلمات بحيث تأتلف " جملة كلمة مع جملة كلمة تلاصقها منتظمة في حروف مختارة متباعدة المخارج مترتبة الترتيب الذي يقع فيه خفة وتشاكل ما " ، وباعتبار القيمة التداولية للدوال المكونة لبنية الخطاب الشعري، بحيث يجب " ألا تتفاوت الكلم المؤتلفة في مقدار الاستعمال فتكون في نهاية الابتذال والأخرى في نهاية الحوشية وقلة الاستعمال " ، بل ينبغي أن تكون كل واحدة متقاربة مع الأخرى منسجمة متوازية في الوزن، متقاربة المقاطع، لأن " توقيع اللفظ موقعا مناسبا حين تأليفه مع ما يجاوره من ألفاظ أخرى ينطوي على قيمة فنية وجمالية فذة، لا بل إن مثل هذا التوقيع جدير بنقل التجربة النفسية الشعورية، الإبلاغية للمبدع " ، ولهذا فالخطاب الشعري الناجح في نقل تجربة الشاعر هو ما كانت وحداته الدلالية منسجمة تستدعي الواحدة منها الوحدة التي تليها، وتبقى على صلة بما قبلها، ويرفض سمير أبو حمدان " اللفظ الذي يقتحم النص اقتحاما وبدون أن توجه إليه الدعوة لاحتلال موقعه في السياق " ، لأنه يصنف في عداد الحوشي غير المألوف.
3-جـ- التسهل في العبارات وترك التكلف: وذلك لأن الخطاب الشعري تعبير عن خلجات نفسية، وهزات عاطفية حركتها مقاصد المبدع، لذا كان لزاما على الشاعر أن يعبّر عما اختلج في نفسه دون تكلف في توظيف الدوال والتراكيب المعبرة عن ذلك، ويحصل التسهل " بأن يكون الكلم غير متوعرة الملافظ والنقل من بعضها إلى بعض، وأن يكون اللفظ طبقا للمعنى تابعا له جارية العبارة من جميع أنحائها على أوضح مناهج البيان والفصاحة... " ، باعتبار الشعر فنا لفظيا معقدا، والفن لا يبالغ في تعقيد الصورة والتركيب والتخييل، إذ " لكل شيء حد، إذا تجاوزه المتجاوز سُمّي مفرطا، وما وقع الإفراط في شيء إلا شانه، وأحال إلى الفساد صحته، وإلى القبح حسنه وبهاءه " .
غير أن هذا التسهل يتجاوزه الشاعر ويتجنبه إذا كان " المقصد إغماض المعاني " ، ونحن نسلّم طبعا بكون الخطاب الشعري فنا يستدعي تشكيله أحيانا أجزاء ووحدات بسيطة سهلة، وقد تأتي المسحة الجمالية عكس ذلك، فيكون معقدا غامضا بعيد المنال من ناحية الدلالة نتيجة غموض الدوال.
وأما ترك التكلف فيكون بإدراك مسالكه وكل ما يؤدي إليه، إذ ينبغي على الشاعر أن يدرك بأنه يقع " إما بتوعر الملافظ، أو ضعف تطالب الكم، أو بزيادة ما لا يحتاج إليه أو نقص ما يحتاج، وإما بتقديم وتأخير، وإما بقلب، وإما بعدل صيغة عن صيغة هي أحق بالموضع منها، وإما بإبدال كلمة مكان كلمة هي أحسن موقعا في الكلام منها " ، وكلها خواص بنائية تجعل البنية الخارجية للخطاب الشعري ضعيفة التناسق، قليلة التجاذب، والتناغم والانسجام، ومن ذلك قول المتنبي:
قوم تفرست المنايا فيكم *** فرأت لكم في الحرب صبر كرام
حيث استعاض ضمير المخاطب (الكاف) بالغائب (الهاء) فجاء المعنى بعيدا أو ضعيفا، لضعف تطالب الدوال لبعضها البعض.
3- د- إيثار حسن الموضع والمبنى: ويتحقق هذا المبدأ البنائي بتخيّر مواضع الألفاظ والأصوات بحيث لا يترك " للقارئ الحق في أن يذهب إلى ما يشاء دون قيد " ، فيسعى الشاعر دوما على المستوى اللفظي الصوتي إلى " أن يؤاخي في الكلام بين كلم تتماثل في مواد لفظها أو في صيغها أو في مقاطعها فتحسن ديباجة الكلام " .
وينتج عن هذا الرصف الموسيقي، والصوتي، والصرفي، والتركيبي أثر موسيقي يترك في النفس وقعه الجميل وأثره الجيد، وهي الغاية القصوى في الخطاب النوعي.
ومن أمثلة ذلك سينية البحتري، ونونية ابن زيدون، إذ نلاحظ ونسمع تلك الأجراس المتتالية التي تعبر عن حرقة في النفس، وتوجع في الفؤاد تبعثهما زفرات متتالية في البيت الواحد عبر حرف السين عند البحتري، وأنين متواصل عبر متتالية نونية في البيت الواحد لابن زيدون، ولو حصل تباعد وتراخ بين هذه الأصوات لما تركت هذه الحروف وقعها الموسيقي المشجي، والأمر مثيله في تراخ حاصل في الدوال والتراكيب، لأن الوقع الجميل تتراجع وتيرة تأثيره على نفس المتقبل لكون بنية الخطاب " شتيتة النظم متخاذلا بعضها عن بعض " .
ومن ذلك التراجع الحاصل في وتيرة التأثير نتيجة تباعد عناصر البنية التركيبية قول بعضهم:
لم يضرها – والحمد لله – شيء *** فانثنت نحو عزف نفس ذهول
فدخول الجملة الاعتراضية (والحمد لله) بين عناصر الجملة جعلت في بنية البيت تراخيا، وتباعدا ينقص من جمال ووقع صورة البيت، وتخييلاته.
3- هـ- التناسب بين حجم البنية ومقتضيات التخاطب والإبلاغ: إن التجربة الشعرية – كما يقول فايز الداية – " إنما تفتح آفاقها وتتلون بواسطة الأداة الطبيعية بين يدي الفنان الشاعر الذي امتطى فرس الإبداع الجموح " ، فيقوم بتطويعه حسب ما يريده وما تقتضيه الأوضاع التخاطبية، خاصة وأن اللغة كما يقول بالمر (Palmer) " ليست بكل بساطة مسألة تقديم أخبار " ، فالقيم الإخبارية مطروحة في الطريق كما سبق مع قول الجاحظ، وإنما العبرة في ألا " يزاد سببا إلى السآمة " ، فللتنميق والتحسين حدود إذا تجاوزها صاحبها زاد عن الحاجة ونفّر المتلقي.
والجامع بين هذه الأصول كلها أنها تنطوي تحت خاصيتين شعريتين هما الاختيار والتأليف، فحسن الاختيار من الرصيد المعجمي للسان الخطاب الشعري، وحسن تأليف ما تمّ اختياره له دور رائد في اكتساب الشعر الوظيفة المسمّاة ’’شعرية ’’ من خلال " إسقاط مبدإ المماثلة " ، والفرق بين الاختيار والتأليف هو أن محور الاختيار تكون فيه المماثلة بين المفردات، والعبارات المعجمية، بينما في الشعر تكون المماثلة بإسقاط أدوات شعرية تكرارية كما بيّن ذلك حازم، وبعده في الدرس الغربي رومان جاكبسون.














الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ghilous.hooxs.com
 
الأصول البنائية للخطاب الشعري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأصول الأسلوبية للخطاب الشعري الطاهر بومزبر
» أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ دراســـــة
» أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة دراســـــة
» أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة 2 دراســـــة
» أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة 3 دراســـــة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية  :: لغويات :: لسانيات-
انتقل الى: