خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية

المعرفة للجميع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين، في المؤسسات التعليمية في الجمهورية الجزائرية، الواقع والتحديات واستشراف المستقبل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
غيلوس
Admin



عدد المساهمات : 60
نقاط : 147
تاريخ التسجيل : 17/04/2009

 اللغة العربية  في القرن الحادي والعشرين، في المؤسسات التعليمية                                          في الجمهورية الجزائرية، الواقع والتحديات واستشراف المستقبل Empty
مُساهمةموضوع: اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين، في المؤسسات التعليمية في الجمهورية الجزائرية، الواقع والتحديات واستشراف المستقبل    اللغة العربية  في القرن الحادي والعشرين، في المؤسسات التعليمية                                          في الجمهورية الجزائرية، الواقع والتحديات واستشراف المستقبل Icon_minitimeالسبت مايو 07, 2011 4:02 pm


المحاضرة السادسة





الأستاذ الدكتور عبد الملك مرتاض
رئيس المجلس الأعلى للغة العربية سابقاً
الجمهورية الجزائرية




الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1426هـ- 14 حزيران 2005م


«إنّ الإصلاحات التربويّة تقوم على أساس اللّغة العربيّة وليس من دونها، ولا إصلاح بتهميش اللّغة العربيّة. مَن نحن حتّى لا نطبّق، ونتقيّد باللّغة العربيّة؟».
عبد العزيز بوتفليقة
رئيس الجمهوريّة
استهلال
ما أروعَ أن يتعانق المشارقة والمغاربة معاً، من أجل أن يتدارسوا، في صعيد واحد، حالَ لسانهم وواقعَه في حياتهم التعليميّة والاجتماعيّة والثقافيّة راهناً؛ فقد كثر اللّغَط، منذ بعض الزمن، من حول هذا اللّسان العربيّ، وتعالتْ أصواتٌ ناشزة بعضُها لا يزال ينادي ويْلاً يدعو ثبوراً؛ على أنّ اللّغة العربيّة مهدّدةٌ بالزوال والانقراض، وبعضُها الآخَرُ يقطع بعدم مقدرة هذه اللّغة على مواكبة العصر، ولا بمماشاة الحياة الجديدة للناس، وبقصورها عن استيعاب كلّ المعارف الجديدة المتناهية الدّقّة التي أمستْ تتدفّق على النّاس كالسيل الجارف، وتوافيهم كالفيض الهادر... مِمّا حمل هؤلاء المتشائمين من مصير اللّغة العربيّة ظاهراً، والحانقين عليها باطناً، على الْبِدَارِ إلى تبنّي لغات أخرى أجنبيّةٍ، والزّهد في لغتهم القوميّة والعزوف عنها وهم مُلِيمُون.
ولعلّ أوّل ما يَرِينُ على سلوك هؤلاء من الْمَشَايِنِ هو:
1. تشاؤُمهم المفرطُ في أن يكون للغة العربيّة مستقبَلٌ باسم، ومكانةٌ بين اللّغات مَكينةٌ؛ وأنّ هذه اللّغةَ هي من الْخَوَر والاستخذاء، والعجز والقصور، ما يجعلها تستطيع أن تقوم، بوهَج وعنفوان، في وجه هذه الكَوْنَنَةِ الشرسةِ التي جاءتنا من أقصى المدينة، والتي توشك أن تبتلع كلّ الثقافات المحلّيّة واللّغات الوطنيّة والقوميّة فتُمسي أثراً بعد عين!.
2. تهاوُنهم وكسَلُهم في الإقبال على اللّغة العربية للتعمّق في تعلّمها، والتّضلُّع من مخزون ألفاظها، للتظاهُر بها لدى الاستعمال؛ وينسَى هؤلاء المتخاذلون الْمُخذِّلون معاً أنّ أيَّ لغةٍ حيّة في العالم مما يَرَوْن اليوم في السّاحِ، إنّما هي ثمرة جهودٍ مُضنية نهض بها علماؤها لكي يطوّروها فأمست تتبوّأ المقام المحمود الذي هي فيه... فموقف هؤلاء يَشينُه اليأسُ والتخاذل من جانب، وتَعيبُه الضّغينة الدّفينة على العربيّة، لجهلهم بها، من جانب آخر. ولو أنصف هؤلاء لغتَهم وقومَهم معاً لكان موقفهم شيئاً آخرَ، ولكانوا أسهموا حقّاً في تطوير هذه اللّغة الشريفة عوض أن ينعَقوا بالنَّعْيِ عليها في كلّ نادٍ! أو لم يعلموا بأنّ هذه اللّغة، قبل أن يأتِيَ اللّه بالإسلام، لم تكن إلاّ لغة الشعر والخطابة، ثمّ شيئاً فشيئاً استوعبتْ علوم الأمم الأولى مثل علوم الإغريق والهند والفُرس، قبل أن ينطلق بها علماؤها إلى إنتاج المعرفة ابتداءً من القرن الثاني للهجرة؟ أم غاب عنهم أنّ اليهود طوّروا لغتهم التي لم تكن قابعة إلاّ في الْبِيَع، مستعينين في وضع نحوها – ولم يكن لها نحو قبل القرن العشرين- بنحو اللّغة العربيّة، ومتظاهرين في إنشاء مصطلحاتها بتجربة العرب في استعمال المصطلح بنحْته واشتقاقه؟... أم كانوا يريدون أن ينزل عليهم ملائكةٌ من السماء بلغة عربيّة قادرة على استيعاب أدقّ العلوم وأرفع المعارف وهم نائمون؟ أم أليست اللّغات كائناتٍ اجتماعيّةً تتطوّر بتطوّر أهلها، وتتخلّف بتخلّفهم وهي غيرُ مُليمَةٍ في تخلّفِها معهم، إذا ضُرِب عليهم التخلّفُ فقبِلوا به؟ ولِمَ هانت هذه اللّغةُ على قومها فصَلَفَتْ في نفوسهم فأمسَوْا فيها من الزّاهدين؟...
وهذا مجمع اللّغة العربيّة الرصين الحصين بعَمّان يَقِف موسمَه العلميّ، لعامنا هذا، على قضايا اللّغة العربيّة للمُساءلة عن شأنها في البرامج التعليميّة لدى أهلها مشرقاً ومغرباً؟ وما ذا عساهم أن يكونوا يفكّرون في أمر المكانة التي يولونها إيّاها؟ وهل هم حقّاً على أُهْبةٍ لِتَبْوِِئَتِِها المنزلةَ الكريمةَ التي هي أهلٌ لها في مؤسّسات التعليم، وفي الحياة العامّة معاً؟ وإنّها، لعَمْرُكَ، لَمُبادرةٌ طيّبة تُحمَد لهذا المجمع العريق والقائمين عليه والأعضاء فيه معاً. ولعلّ هذه الجهود التي تُبذَل أن تُفْضيَ إلى نتائجَ، إن شاء اللّه، تُذكَر، وثمراتٍ تُشْتار.

<><><><><><><>

وفيما سيَلي من هذه الصحائفِ محاولةٌ متعثّرة ظالِعة لِمُلامَسة موضوع اللّغة العربيّة في الجزائر، وهو من اقتراح هذا المجمع المجيد الذي نَزْدَجِي له كلّ الشكر والتقدير على ما حبَانا به من هذه الثِّقة التي قد لا نكون لها أهلاً. وقد بدا لنا أن يكون تناول هذا الموضوع، في حدود ما تمثَّل لنا من التصوّر، واستلهاماً لمضمون الموضوع المقترَح علينا، على الوجه الآتي:

القسم الأوّل
أوّلاً. واقع اللّغة العربيّة في مؤسسات التعليم في الجزائر على عهد الاستعمار الفرنسيّ.
ثانياً. واقع اللّغة العربيّة في مؤسسات التعليم في الجزائر على عهد الاستقلال:
أ. جهود الجزائر في إعادة المكانة اللاّئقة للغة العربيّة.
ب. جهود الجزائر في مجال تعريب العلوم الإنسانيّة.
ج. جهودها في مجال تعريب العلوم.

القسم الثاني

أوّلاً. تأسيس الهيئات العليا للإشراف على ترقية العربيّة في الجزائر، وتعميم استعمالها.
ثانياً. هل من مستقبل للعربيّة في الجزائر في القرن الواحد والعشرين، في ضوء الوضع الراهن؟.

<><><><><><>

أوّلاً. واقع اللّغة العربيّة في مؤسسات التعليم في الجزائر على عهد الاستعمار الفرنسيّ ( ).
احتلّ الاستعمار الفرنسيّ الجزائر عام 1830 وفيها من المدارس والمعاهد والزوايا وبقيّة أنواع مراكز التعليم ما كان يضطلع بتعليم اللّغة العربيّة في نفسها، وتعليم العلوم والرياضيات بها؛ ممّا حمل مؤلّفي كتاب «الجزائر: ماضياً وحاضراً» إلى الاندهاش من أنّ ما كان يُعتقدُ من أميّة الشعب الجزائريّ قبل الاحتلال الفرنسيّ لم يكن إلاّ خَطَلاً من الرأي، وهم يقولون: «كان يُعْتَقَدُ أنّ الشعب الجزائريّ كان أمّيّاً، وإنّما الاستعمار [الفرنسيّ] هو الذي جاءه بالثقافة والعلم، مع أنّ ذلك لم يكن إلاّ خِطْأً مبيناً».( )
لقد اتّفق المؤرّخون الفرنسيّون على أنّ التعليم العربيّ في الجزائر، قبيل الاحتلال الفرنسيّ، كان مزدهراً إلى درجة أنّ صِيتَ بعضِ العلماء كان يجاوز الحدود الجزائريّة إلى ما وراءها؛ وكان التعليم يشمل الفلسفة والأدب والنحو، كما يشمل الطّبّ والفَلَكَ وغيرها من حقول المعرفة. وكانت المدارس منتشرة بكثرة في أرجاء الجزائر كلّها.( ) في حين كان يرى فرحات عباس أنّ الثقافة العربيّة كانت مزدهرة نسبيّاً، وأنّ معظم الجزائريين، لدى احتلال الجزائر، كانوا يكتبون ويقرؤون، وأنّ عدد المدارس كان يفوق ألفَيْ مدرسةٍ.( )
ويبدو من بعض ما ذكرنا أنّ عامّة المؤرّخين، الجزائريّين والفرنسيّين جميعاً، مِمّن عرضوا لهذه المسألة يكادون يُجمعون على أنّ الشعب الجزائريّ كان يتلقّى تعليمه باللّغة العربيّة قبل الاحتلال الفرنسيّ، وهو أمر طبيعيّ؛ ولكنّه كان –بالإضافة إلى ذلك- متطوّراً في تعلّمه، وشَغوفاً بالنهل من ينابيع المعرفة.
ولَمّا جاء الفرنسيّون إلى الجزائر محتلين كان أوّلَ ما أَتَوْه هو المسارعةُ «إلى محاولة محو الشخصيّة الجزائريّة الأصيلة عن طريق فرنسة الألسنة والعقول».( ) ولقد احتدم الصراع على أشدّه بين الوطنيّين الجزائريّين الذين ظلّوا متمسّكين بلغتهم العربيّة يَنْضَحُون عنها إلى حدّ العضّ عليها بالنواجذ، وبين الاستعمار الفرنسيّ الذي أزمع على محْو الشخصيّة الجزائريّة –العربيّة الإسلاميّة- محواً، ومَسْخِها مسْخاً؛ فإذا هو يحظر تعليم العربيّة وتعلّمها في المدارس الدينيّة والمساجد والزوايا إلاّ بإذن خاصّ ( )، وكان هذا الإذن الخاصّ، كما يلاحظ ذلك عبد الحميد بن باديس لا يكاد أحدٌ ممّن طلبوه ينالُه!.
لقد عمَد الفرنسيون إلى إغلاق المدارس العربيّة ومقاضاة المدرّسين فيها إلى درجةٍ جعلت المفكّر الإسلاميّ الجزائريّ عبد الحميد بن باديس يستخلص بلهجة الخيبة ما آل إليه حالُ التّعليم العربيّ في الجزائر في الأعوام الثلاثين من القرن الماضي فيقول: «هذا هو الحال من ناحية الإدارة( ) التي هي مؤسفة بقدر ما هي مؤلمة... فمدرسة دار الحديث( ) ما زالت مغلقة، ومثلها مدرسة القلعة، والمعلّمون في بِِِجَايَةَ وغيرِها ما زالوا يعاوَدون بالتّغريم، ويُساقُون إلى المحاكمة كمجرمين، وطلباتُ الرُّخَص ما زالت تقابَل بالرفض أو بالسكوت».( )
والحقّ أنّ فَترة الاحتلال الفرنسيّ تَسْتَميزُ بعُنف الصراع وشدّته بين الجزائريّين الذين أصرّوا على التمسّك بالهويّة الوطنيّة الماثلة في العروبة والإسلام، وبين الفرنسيّين الذين بيّتوا تشويهَ الشخصيّة الوطنيّة بحرمان الأطفال الجزائريين من الإقبال على المدارس الفرنسيّة نفسِها التي لم تكن تعلّم إلاّ اللّغة الفرنسيّة وحدَها، ولم يسمحوا بدخولها، في الغالب، إلاّ لأبناء الأعيان والمقرّبين منهم من الجزائريّين، من حيث حظروا تعليم اللّغة العربيّة بالوسائل الخاصّة على الهيئات الوطنيّة مثل جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين، وحزب الشعب الجزائريّ.
من أجل ذلك تأسست جمعيّة العلماء في أواخر مايو 1931 فكان من أهدافها نشرُ اللّغة العربيّة بوساطة تأسيس المدارس وتهيئة المعلّمين الأكفاء لها، وذلك بالاستعانة بسخاء الشعب الجزائريّ الذي كان يُنفق على هذه المدارس... ولقد أفلحت هذه الجمعيّة الكبيرة بأَنَّها لم تحقّق فتْح مدارسَ تعدّدتْ بتعدّد المدن الجزائريّة، الكبرى والصّغرى، فحسْبُ ( )؛ ولم تجنِّدْ لها، تجنيداً ينهض على النّزعتين البيداغوجيّة والنّضاليّة معا، مئاتٍ من المعلّمين ليعلّموا عشراتِ الآلاف من النّاشئة باللّغة العربيّة تعليماً عصريّاً فحسبُ؛ ولكنّها اعتمدت منهجيّة عصريّة تشبه منهجيّة الأحزاب السّياسيّة في الْتماس تكثير سَواد الأنصار والأشياع؛ فكان في كلّ مدينة جزائريّة، صغيرة أو كبيرة، خليّةٌ إصلاحيّة كانوا يُطْلقون عليها «شُعْبة». فكانت هذه الشُّعبة هي التي تتولّى الإشراف المادّيّ والماليّ على المدرسة، والمسجد، في المستوى المحلّيّ؛ فكانت جمعيّة العلماء في حقيقة أمرها حزباً كبيراً، من ضَرْبٍ خاصّ، متواجداً في كلّ أصقاع الجزائر: ظاهرُ أهدافِه مجرّدُ الإصلاحِ الدّينيّ ( )، وحقيقتُه تجسيدُ طموحٍ سياسيّ كان يسعى إلى تَنْضِير وجْه الشّخصيّة العربيّة الإسلاميّة التي كان الجزائريّون لا يزالون يُلاَصُونَ عليها من الاستعمار الفرنسيّ، كما يجب أن تكون، وهو الاستعمار الذي كان يتّخذ من مَقْت العُروبة والإسلام لذةً يستمتع بها.
كانت جمعيّة العلماء تعتقد، في مواقفَ معيّنة على الأقلّ، (حيث نصادفها في مواقفَ أُخَرَ تتّخذ التّقيّة لها سبيلاً فلا تتمسّك بما كان يطلق عليه انفصال الجزائر عن فرنسا...) أنّ المطالبة بالاستقلال –الذي كان، كما قلنا، يسمَّى في اللّغة السّياسيّة الفرنسيّة في الجزائر «انفصالاً»- لا يمكن أن يتمّ والجزائريّون يتبنَّوْن اللّغة الفرنسيّة لساناً. وأيّ معنىً كان يكون لاستقلال سياسيّ من ذلك النّوع؟ من أجل ذلك أعلِن شعارٌ عظيم ظلّ قائماً ومؤثـِّراً إلى يومنا هذا في الحياة العامّة في الجزائر، وهو: «الإسلام دينُنا؛ الجزائر وطننا؛ العربيّة لغتنا»( ).
فلقد أفلح هذا المشروع الذي حملتْه جمعيّة العلماء إلى حدّ كبير، وخصوصاً على المستوى التّعليميّ؛ وذلك من حيث إنّ هذه الجمعيّة تنزّلتْ إلى الشّارع الجزائريّ، وإلى المدن الصّغيرة بعد المدن الكبيرة؛ فأسّستْ قريباً من أربعِمئةِ مدرسةٍ عربيّةٍ تدرّس علوم اللّغة العربيّة ومبادئ الفقه الإسلاميّ، وتبثّ شيئاً من الوعي السّياسيّ، واليقظة الوطنيّة، والصّحوة الفكريّة الإسلاميّة في أذهان المتعلّمين( ).
ولذلك لَمّا انتزعت الجزائر استقلالها السياسيّ في عام 1962 لم يكن بالمدارس التي ورثتْها الجزائر عن الفرنسيين من الأطفال والفتيان، ومن المدرسة الابتدائية إلى جامعة الجزائر الوحيدة آنئذ، إلاّ عدد قليلٌ جدّاً، فكانت نسبة الأميّة في الجزائريين تفوق ثمانين بالمئة بالقياس إلى الرجال، وإلى أكثر من خمسٍ وتسعين بالمئة بالقياس إلى النساء!




ثانياً. واقع اللّغة العربيّة في الجزائر على عهد الاستقلال: الجهود والإنجازات
أ. العمل على تَبْوِيءِ العربيّة مكانتَها في مؤسسات التعليم.( )
ألْفَت الجزائر المستقلّة في صيف سنة 1962 نفسَها في مفترق الطّرق، وقد غادر المعلّمون الفرنسيّون كلّ المدارس التي أَسَّسوها ليعلّموا فيها أبناءهم تخوّفاً من أن ينتقم الشعب الجزائريّ منهم، فالتحقوا بوطنهم وتركوا مؤسسات التعليم الجزائريّة خاويةً على عروشها؛ فكان لا مناص من الاستعانة بالإخوة العرب الذين كانوا رعَوْا في كثير منهم الثورة الجزائريّة التي أفضت إلى الاستقلال؛ فاستنجد المسؤولون الجزائريّون يومئذ بأقطار عربيّة من أهمّها المملكة الأردنيّة الهاشميّة، والمملكة العربية السعوديّة، ودولة الكويت، ومصر، وسورية... فلم تقصّر هذه الأقطار وغيرها من الأقطار العربيّة الأخرى في إرسال العدد المطلوب من المعلمين والأساتذة، وبدؤوا –بالإضافة إلى عدد قليل من المعلمين الجزائريين الذين تعلّموا العربيّة في أقطار عربيّة أُخرى أثناء ثورة التحرير أو قبْلها- يدرّسون اللّغة العربيّة لأوّل مرّة في تاريخ التعليم بالجزائر بعد مئة واثنتين وثلاثين سنةً، تحديداً، من الانقطاع. (مع ما سبق من أعمال جمعيّة العلماء وحزب الشعب الجزائريّ في مجال تعليم اللّغة العربيّة في المدارس الأهليّة...). وشرع الأطفال الجزائريّون يكرَعون من العربيّة التي بدأت تنتشر على النحو العصريّ بين الجزائريّين.( ) وزاد في إسهام نشرها بعض وسائل الإعلام الجزائريّة باللّغة العربيّة مثل جريدةِ «الشعب» التي تأسستْ في كانون الأول من سنة اثنتين وستّين وتسعمئة وألْفٍ ميلاديّة، والإذاعةِ والتّلْفزة الوطنيّتين. كما أفضى نظام إجباريّة التعليم على التحاق كلّ الأطفال الجزائريّين الذين كانوا في سنّ السادسة بالمدارس الرسميّة...
ولم تمضِ إلاّ سنوات قليلة حتّى بدأت اللّغة العربيّة الفصحى تنتشر بين الجزائريّين في الشارع بعد أن كان هذا الشارع في بداية عهد الاستقلال لا تسمع فيه إلاّ ترْطيناً بالفرنسيّة، فبدأت الكلمات الجديدة الفصيحة تجري على الألسُنِ مثل الحريّة، والاستقلال، والمدرسة، والحكومة، والوزارة، والمرأة، والسلام، والحبّ، والجامعة، والطّيّارة، والمطار، والملعب، واللاّعب، والطّالب والطّالبة، والمعلّم، والمعلّمة، والأستاذ والأستاذة، والطّبيب والطبيبة... وهلمّ جرّاً من هذه الألفاظ الحضاريّة الفصيحة التي كانت نادراً ما تجري إلاّ على ألسنة بعض المثقفين القلائل على عهد الاستعمار الفرنسيّ... وكان للمدرسة الابتدائيّة خصوصاً دورٌ بارز في إشاعة مثل هذه الألفاظ بفضل الأطفال الْمُتَمَدْرِسين الذين كانوا يخرجون إلى الشارع آيِبين من مدارسهم فيُشيعون الدّفء اللّغويّ الفصيح في الشارع قبل أن يُشيعوا كثيراً من المصطلحات التّعليميّة بين الآباء الذين بدؤوا يصطنعون لأوّل مرّة مع أبنائهم المئزر والمحفظة والقلم والممحاة والطباشير والْخُشَيْبات، وهلمّ جرّاً...
والحقّ أنّ حزب جبهة التحرير، الحزب الوحيد الذي كان يقود البلاد، إن كان يُنتقَد سياسيّاً بما ارتكبه من كثير من الأخطاء، فإنّه يستحقّ كل تقدير في رأينا على ما بذل من جهود مدهشة كيما تستعيدَ الجزائر لسانها العربيّ، فلم يمضِ إلاّ زمن قليلٌ حتّى تأسست عشرات الجامعات، وقبلها ثانويّاتٌ معرّبة كان يطلق عليها «الثانويات الدينية».
ب. إنجاز تعريب العلوم الإنسانيّة في مؤسسات التعليم في الجزائر على عهد الاستقلال
كانت بعض الموادّ الاجتماعيّة والإنسانيّة مثل التاريخ والجغرافيا والفلسفة، وبعض الموادّ الفنية كالرسم والموسيقى –ولا نتحدّث عن الرياضيات والعلوم والفيزياء والكيمياء- كانت تدرَّس في المدارس الثانويّة في بداية عهد الاستقلال باللّغة الفرنسيّة، فكانت خالصة للمدرّسين الفرنسيّين الذين عادوا كالجراد إلى الجزائر في صورة «متعاونين»، كما كان يطلَق عليهم. وشيئاً فشيئاً تمّ تعريب هذه الموادّ كلّها فأمستْ تدرَّس للتلاميذ باللّغة العربيّة؛ فكان لا مناص من التفكير بجدّ في تعريب هذه الموادّ نفسِها في الجامعة، وإلاّ فلا يعقل أن تدرّس في مرحلة التعليم الثانويّ بالعربيّة، وفي مرحلة التعليم الجامعيّ بالفرنسيّة. غير أنّ عدد المدرسين الجزائريّين الفرنسيِّي اللّسانِ، والمتعاونين الفرنسيّين، كانوا من الكثرة بحيث لم يكن ممكناً تسريحُهم ولا الاستغناءُ عن كفاءتهم بين عشية وضحاها؛ فوقع التفكير في حلّ ثنائيّ، انتقاليّ، يتمّ بمقتضاه تدريس هذه الموادّ أنصافاً، أنصافاً: فمِن الطّلاّب من كان يدرُسها بالفرنسيّة، ومنهم من كان يدرُسها بالعربيّة.
ولكنّ هذا السلوك المزدوج رفضه كثير من المربّين والذائدين عن اللّغة العربيّة، بمن فيهم نحن في مطالع الأعوام السبعين من القرن الماضي( ) لأنّ ذلك كان يعني توفيرَ وسائلَ تعليميّةٍ مضاعَفة: فيقع توفير قاعات للدراسة لهؤلاء وهؤلاء، وأساتذة باللّغتين لهؤلاء وهؤلاء، وهلمّ جرّاً... ولذلك لم يدُم هذا الوضع الناشز –الذي كان «الفرنكوفونيّون» أرادوا له أن يطول بطول الدهر_ إلاّ قليلاً، فعُمِّمَ تدريس كلّ الموادّ الإنسانيّة والاجتماعيّة في التعليم العالي باللّغة العربيّة قبل نهاية الأعوام السبعين. أمّا اللّغات الأجنبيّة فظلّت تدرَّس في أقسام اللّغات الأجنبيّة ضمن اللغات الحيّة كالإنجليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة والألمانيّة...
والحقّ أنّ الذي عجّل بتعريب العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة في الجامعات الجزائريّة هو إقدام وزارة التربية في الأعوام السبعين على تعريب هذه العلوم في التعليم الثانويّ بتشجيع من القيادة السياسيّة الجزائريّة التي كانت يومئذ ذات اتجاه عُروبيّ، وعلى رأسها الرئيس الراحل هواري بومدين. فكان ذلك الإنجاز يشبه الثورة حقّاً، وإلاّ فإنّ الذي يتابع مسيرة التعريب في الجزائر فيجد الجزائر حقّقت كلّ ذلك في أقلّ من خمسة عشر عاماً، لا ريب يندهش اندهاشاً!...
ويبدو أنّ تعريب العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة في الجامعات الجزائريّة أمسى إنجازاً وطنيّاً لا ينبغي أن تَمَسَّه الأيدي بالعبث، كما بدأت تمسّ بعض الموادّ العلميّة الأخرى في التعليم الثانويّ لِتفرنسها في آخر الزمان!... ولعلّ حنين الشّيوخ المحظوظين الذين تعلّموا، على عهد الاستعمار، في المدارس الفرنسيّة هم الذي حنُّوا حنيناً عارماً، بعد ذهاب الرجال، إلى أن تستعيد اللّغة الفرنسيّة وجودَها كأقوى وأوْهَج ما يكون؛ لأنّ الفرنسيّين لم يكونوا يعلّمون لغتهم إلاّ لأبناء الأعيان، وفي أحسن الأحوال، لسكّان المدن على عهد احتلالهم؛ فلمّا ذهبوا أصبح الأطفال الجزائريّون، وعددُهم يزيد اليوم على ثمانية ملايين في المدارس الابتدائية والثانويّة الجزائريّة، مجبَرِين على تعلّم الفرنسيّة ابتداءً من السنة الثانية الابتدائيّة... فأيّ مكانة حقّقتها الفرنسيّة خارج ديارها!...
ج. تعريب العلوم والتَّقانة في مؤسسات التعليم بالجزائر على عهد الاستقلال
من أعجب ما تلقّيناه من شتائم المواطنين في دفاعنا عن العربيّة أمام الإنجليزيّة، في حصّة «الاتجاه المعاكس» التي تنظّمها إحدى الفضائيات العربيّة، أنّ شخصاً أرسل إلينا رسالةً حين كنّا رئيسا للمجلس الأعلى للغة العربيّة يرى أننا لم نكن إلاّ على هوىً وضلالٍ، حين كنّا نتعصّب للعربيّة على الإنجليزيّة، وأنّ هذي العربيّة ليست إلاّ كَيْتَ وكيت، ولا هي في العِير ولا في النّفير!... في حين كتب شخص آخر في جريدة جزائريّة عام 2000 لم تعد اليوم تصدر فماتت بالهزال والتسمّم، يرمينا بالكذب لِمَا دافعنا به عن هذه اللّغة، وأنّنا قدّمنا أرقاماً مغلوطة، ووقائع مكذوبة للمشاهدين، حين كنّا زعمنا أنّ جامعة العلوم والتكنولوجيا بوهران لم تجتزئ بتعريب الموادّ العلميّة كالإعلام الآلي، والإلكترونيك وغيرهما في المرحلة الجامعيّة الأولى فحسبُ، ولكنّها عرّبتْ هذه الموادّ في الدراسات العليا... ويبدو أنّ ذلك الصحافي الحافي، كان لا يعرف الجامعة الجزائريّة، بلْهَ التعليمَ العالِيَ في مجال العلوم الدّقيقة... إنّا لَنُوَكِّدُ، تارةً أخرى، بهذه المناسبة، أنّ الجامعة الجزائريّة خطتْ خُطُواتٍ عملاقةً في تعريب العلوم التي كانت تدرّس في بعض الجامعات، مثل الجامعة التي أومأنا إليها آنفاً، باللّغة العربيّة. ولم يكن بقيَ إلاّ الطّبّ الذي كان مقرَّراً تعريبُه حين استلمْنا مهامّ رئاسة المجلس الأعلى للّغة العربيّة عام 1998، في العام الموالي، أي عام 1999 حيث اتّصل بنا مجموعة من الأطبّاء الجزائريّين الشباب، وأبدَوْا رغبةً عارمة في تدريس الطّبّ باللّغة العربيّة التي كنّا نريد أن يقع الابتداءُ بتعريب السّنة الأولى، ثم الثانية، إلى آخر المسار الدّراسيّ... ولكنْ وا أسفاه! لقد تبيّن أنّ مسألة تعريب الطّبّ خصوصاً في الجزائر، وفي العالم العربيّ كلّه، إلاّ سورية التي تمثّل الاستثناء، هي مسألة سياسيّة لا لغويّة؛ أي أنّ العرب بعد إنجازات أبي بكر محمد بن زكرياء الرازي (864-932)، وأبي نصر محمد بن طرخان الفارابي( ) (872- 950م.)، والشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد اللّه بن سينا (980-1037م.)( )، وأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد (1126-1198)،( ) وأبي القاسم خلَف بن عباس الزَّهراويّ (1030-1106)، وغيرهم من الأطبّاء الخالدين الذين أعطَوُا الإنسانيّة ما أعطَوْا، وبعد أن ظلّ كتاب «القانون» لابن سينا يدرَّس في الجامعات الأوروبيّة على مدى سبعة قرون، وقيل: إنّه كان يدرَّس في جامعة «مونبيليه» إلى عام 1935 كما تُقرّر بعض ذلك المستشرقة الألمانيّة سيـﭭريد هونكي (Sigrid Hunke)Sad ) هاهم هؤلاء اليوم يَستخْذُون، من شدّة إصابتهم بعُقدة النقص، فيعتقدون أنّ الطّبّ الذي هو في أكبر إنجازاته الأوّليّة العظيمة ذو أصلٍ عربيّ، وأن مصطلحات حقول المعرفة الأخرى، كالاقتصاد مثلاً، قد تكون أكثر اعْتِيَاصاً في العربيّة من مصطلحات الطّبّ التي هي في مُنطلَقها عربيّة اللّغة، عربيّة الإنجاز... لا يجوز له أن يظلّ إلاّ غريب اللّسان، على أهل الأوطان! فما أعقَّ الأحفادَ، أمام منجزات الأجداد! وإنّها لعقدة نقْصٍ مستعصية سيعجز النفسانيّون النَّحارير عن اسْتِلالها من أعماق نفوس بعض العرب... إنّا نرى أن يتقن الأطبّاء والعلماء العرب على الأقلّ لغة واحدة غربيّة حيّة لتكون لهم نافذة يُطلّون من خلالها على العالم، وبوساطتها يستقون معارفهم الجديدة، ولكنّ التّدريس ومخاطبة الناس يجب أن يظلاّ باللّغة العربيّة... فمتى سيكون ذلك؟!.
وإذن فقد بذلت الجزائر جهوداً مدهشة في تعريب الرياضيات والعلوم انطلاقاً من المدرسة الابتدائيّة إلى الثانويّة، ثمّ إلى الجامعة التي لا تزال تدرّس بعض الموادّ العلميّة باللّغة العربيّة، قبل أن تقع مراجعة ما يطلق عليه في الجزائر «المنظومة التربويّة» التي سنتحدّث عنها في نهاية هذه المقالة...












القسم الثاني
أوّلاً. تأسيس الهيئات العليا للإشراف على ترقية العربيّة في الجزائر، وتعميم استعمالها.
1. تأسيس المجمع الجزائريّ للّغة العربيّة
أدرجنا الحديث عن تأسيس بعض المؤسسات اللغويّة العليا في استشراف المستقبل لأنّها نُصِّبتْ في نهاية القرن الماضي من وجهة، ولأنّها لا تزال قائمة، من الوجهة القانونيّة من وجهة أخرى.
فلقد وقع الشروع في تقنين بعض المؤسّسات العليا للحفاظ على اللّغة العربيّة في المجتمع الجزائريّ وترقية استعمالها منذ أواخر الأعوام السبعين، وعلى عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، ومن ذلك وضْعُ اللَّبِنة الأولى لمجمع اللّغة العربيّة الجزائريّ، ولكنّ الرئيس تُوُفّي قبل أن يتحقّق ما أراد إنجازه، ولذلك كان الشائع في بداية الأعوام الثمانين من القرن الماضي أن تسمَّى هذه الهيئة العليا: «أكاديميّة هواري بومدين للغة العربيّة»، أو نحو ذلك... وفي عام 1986 وقع تقديم القانون التنظيمي للمجمع الجزائريّ للّغة العربيّة فنُوقِش في مجلس النواب قبل أن تقع المصادقة عليه، فأمسى قانوناً وطنيّاً لا يمكن إلغاؤُه إلاّ من خلال المجلس نفسِه الذي أسّسه وأقرّه. غير أنّ تأسيس هذا المجمع وقع التراخي في إنشائه إلى خريف 1998 حين نصّب الرئيس اليمين زروال مكتبه المؤلَّف من خمسة أعضاء، على أن يتمّ تعيين الأعضاء الباقين أو انتخابهم من زملائهم من بعد ذلك. وتوفّي الرئيس الأوّل المريض لهذا المجمع دون أن ينهض بنشاطٍ أكاديميّ واحد. وعُيّن رئيس آخَرُ وإلى اليوم يذهب إلى مكتبه ويؤوب إلى بيته دون أن يحقّق شيئاً من غايات هذا المجمع. وكيف يستطيع ذلك ولم يعيَّن أيّ عضوٍ من العلماء الجزائريّين، وبعض العلماء العرب والأجانب المراسلين، كسيرة كلّ المجامع في العالم، فيه؟... وكأنّ هذا المجمع أمسى عِبئاً فادحاً على الدولة تنفق على مجموعة من موظّفيه الإداريّين الذين هم، بعدُ، لا يُديرون شيئاً؛ فهو كما هو، إلى أن يرثَ اللّه الأرض، أو يقضيَ في شأنه أمراً كان مفعولاً!.
2. المجلس الأعلى للّغة العربيّة
لقد نصّب رئيس الجمهوريّة هذا المجلس برئيسه وأعضائه السّتّة والثلاثين، بصورة رسميّة بناء على القوانين الجزائريّة التي توجِب تعميم استعمال اللّغة العربيّة في المحيط، ومؤسسات التعليم، والإدارة يوم السبت 28 سبتمبر 1998. وانطلق هذا المجلس من عدم، وقد بذل أعضاء المجلس جهوداً خارقة تحت إشراف رئيسه فتأسستْ مكاتبه الإداريّة، وموقع للإنترنت، ومكتبة. كما أسس المجلس مجلّة «اللّغة العربيّة» التي صدر منها، في السنوات الثلاث الأولى خمسة أعداد تناولتْ قضايا متخصصة في مسائل اللّغة العربيّة، ونهض بموسمين ثقافيّين، ونظّم عدّة ندوات وطنيّة ودوليّة منها ندوة دوليّة ناقشتْ موضوع: «مكانة اللّغة العربيّة بين اللّغات العالميّة» في نوفمبر 2000، وقد طُبعت أعمال هذه الندوة في كتاب خاصّ. كما طُبعت كلّ أعمال الندوات والمواسم الأخرى، ووقع تكريم الطّلاب السبعة الأوائل الذين حازوا على أعلى العلامات في اللّغة العربيّة في شهادة البكالوريا تكريماً سخيّاً... ورُصِدت مسابقة وطنيّة لأحسن ثلاثة كتبٍ مؤلّفة باللّغة العربيّة وتتناول موضوعات علميّة دقيقة، ووزّعت الجوائز على الفائزين بعد الاحتكام إلى لجنة تأسست لهذه الغاية...
لكنّ مهمّات الأعضاء المحددة بخمسِ سنوات انتهتْ فتفرّقوا شذَرَ مذَر، ولم يقع التمديد لهم ولا تعويضهم بسَوائهم، بعد أن نُحِّيَ الرئيسُ الأوّل، وعُيّن رئيس آخرُ يغدو على مكتبه ويروح، لأنّ الرئيس لا يعمل وحده أمام انعدام وجود الأعضاء.
وتَالِكَ هي النهايةُ الغامضة لهاتين المؤسّستين اللّغويّتين...
ثانياً. هل من مستقبل للّغة العربيّة في القرن الواحد والعشرين في الجزائر؟
قد يكون هذا السؤال مشتملاً على شيء كثير أو قليل من التشاؤم، ولكنْ لا بدّ من إلقائه بكلّ هذه الصراحة؛ ذلك بأنّ كثيراً من الناس ليس في الجزائر فحسب، ولكن في العالم العربيّ كلّه لا يعملون على أن تسود اللّغة العربيّة أقسام التدريس، ولا مختبرات البحث، ولا حتّى الساحات والأسواق... وأمّا إن صرَفْنا الوهم إلى الجزائر تحديداً، فإنّا نُلفي فيها أناساً لا يبرحون يسعَوْن فيها فساداً بالتشكيك في قدرة اللّغة العربيّة على استيعاب العلوم والتّقانة... ومن الأَوْلى الإقبالُ على اللّغة الفرنسيّة للكُروع منها، فلا تظلّ مجرّد لغةِ تدريسٍ للعلوم والتّقانة فحسب، بل تكون أيضاً لغة لتأبين الأموات، وبيع البطاطس في الأسواق، ونقْل مقابلات كرة القَدم من الملاعب... وبعبارة جامعة: إحلال الفرنسيّة محلّ اللّغة العربيّة في الحياة العامّة بكلّ مظاهرها الأكثر يوميّةً والأكثر تعقيداً معاً...
وإنّك لترى هؤلاء يأبَوْن إباءً شديداً في إدراج اللّغة الإنجليزيّة في التّدريس والتبحّر في إتقانها، على الرغم من اقتناع جميع مَن في الأرض بأنّها اللّغة الأقدرُ، في الزمن الراهن، على استيعاب العلوم والتقانة، وأنّها الأفضل للإبداع العلميّ، إن بقيَ في العرب مبدعون في حقل العلوم... لأنّ المسألة، في حقيقتها، ليست لغويّة ولا علميّة، بمقدار ما هي إدْيولوجيّة سياسيّة... وأمام هذا التّبييتِ الْمُبيَّتِ للغة الضاد لا يسَع المرءَ إلاّ أن يتساءل، فعلاً وحقّاً، عن مستقبل العربيّة في الجزائر، لولا ما نعتقد من أنّ هؤلاء المتعصّبين للفرنسية، لغة المستعمِر بالأمس القريب، على العربيّة، لغةِ أغلب الجزائريّين: هم بلغوا من الكِبَر عتِيِّاً، وهم في معظمهم يعيشون أرذل العمر، وستنتهي هذه النزعة الشريرة بانتهاء أعمارهم... لأنّ عامّة الشباب الجزائريّ لم يعودوا يعرفون هذه اللّغة بالكتابة والْمُثَاقفة العالية، ولكنّهم يرطّنون بها ترطيناً سيّئاً في انتظار حدوث المحتوم...
ومن أجل التّمكين للفرنسيّة وثقافتها أساساً، تأسّست لجنة وطنيّة في نهاية القرن العشرين واستمرّت في أشغالها إلى مطالع القرن الحادي والعشرين، وتكوّنت من أعضاء يمثّلون ما يطلق عليه في الجزائر مصطلح «الحساسيات» المختلفة من عُروبيّين، ومتفرنسين. غير أنّ رئاسة اللّجنة كانت لرجلٍ متفرنس، ولقد وقع نقاش مرير بين الأعضاء، أفضى في بعض الأطوار إلى انسحاب مجموعة من الأعضاء العُروبيّين... ولشدّة الاختلاف بين الاتّجاهين فقد أفضى ذلك إلى عدم اتّفاقهم، لدى نهاية الأمر، على تقرير موحّد، فكان تقرير لأصحاب الاتجاه الوطنيّ العربيّ الإسلامي، وتقرير آخر للاتجاه المضادّ، ورُفع التقريران معاً إلى السلطات العليا التي وقعت عليها ضغوط مريرة للبتّ لصالح أحد التقريرين، وبعد انتظار طويل انتصر الاتجاه المفرنس فيما يبدو، ولو على هون ما، فأُعيد فرْض تدريس اللّغة الفرنسيّة انطلاقاً من السنة الثانية الابتدائيّة للصبيان الجزائريّين، وهو أكبر انتصار للاتّجاه المفرنَس، بعد أن كانت المدرسة الابتدائيّة خالية من اللّغة الأجنبيّة خلال فترة نظام ما كان يطلق عليه: «المدرسة الأساسيّة»، والتراجع في تعريب بعض الموادّ العلميّة في التعليم الثانويّ بالاحتيال؛ وذلك بتدريس الرياضيات والعلوم باللّغة الفرنسيّة... وقد زعم بعض النّاس منهم أنّ اللّغات تتغيّر، ولكنّ الرموز العلميّة والرِّياضياتيّة( ) ثابتة لا تتغيّر، فأمسى الأساتذة يزاوجون بين العربيّة في تقديم أصل الدرس، حتّى إذا جاءوا إلى تحليل معادلة، أو تقديم نظريّة علميّة اصطنعوا اللّغة الفرنسيّة، فأمسى التّعليم مهجَّناً ممسوخاً؛ واستعمال اللّغة الفرنسيّة لدى ذِكْر الرموز الرياضياتيّة والعلميّة يدلّ على تبييت سوء النّيّة في مسْخ التعليم، وتعجيم الألسنة، وإفساد العقول بهذه الازدواجيّة!... مع أنّ الرياضيات خوارزميّة في أصولها الكبيرة، وهي، قبل كلّ شيء، رموز وحروف، لا ألفاظٌ وجمل، فهي ذات لغة عالميّة يمكن لأيّ لغة في العالم أن تتبنّاها بتَذْيِيتِِها، لتُصبحَ جزءاً من ثقافتها التعليميّة... فهذا الحقّ الذي يراد به باطل يمكن أن نُحاجَّهم به فنزعم لهم: ما دامت الرياضيات لا تحتاج إلى ألفاظ من اللّغة كثيرة، ولكن إلى رموز أساساً، فلمَ، إذن، تُبْدون هذا الحرص الشديد على اصطناع هذه الرموز، والرّبط فيما بينها، بالفرنسيّة عوضاً عن العربيّة؟ وما ذا كان يَضِيرُها لو قدّمها المدرّسون باللّغة العربيّة كما كانوا من قبل يفعلون؟ وهل سبّب لهم ذلك عَنَتاً حين كانوا يذهبون بعد المرحلة الجامعيّة الأولى إلى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكيّة وإلى فرنسا نفسِها، فكانوا يعودون بالشهادات الجامعيّة الكبيرة دون أن يكون أصل تعلّمهم باللّغة العربيّة سبباً في عَنَتٍ أو مشقّة أو فشل؟
ولذلك فقد يقول قائل: إنّ العربيّة ما دامتْ تدرَّس اليوم في المدارس وبعض المعاهد العليا، كما تدرّس في كلّيّات الآداب بالجامعات الجزائريّة، فأيّ خوف عليها والحالُ ما نرى؟ ولِمَ هذا التشاؤمُ كلّه إذاً؟
وإنّ ذلك لَحَقٌّ مثلَ ما أنَّهُم يَنطِقون! ولكن هل وقع نسيان حقيقة لغويّة يجب أن لا تُنسَى، وهي أنّ اللّغات الحيّة الطّامحة الماجدة لا ترضى بأن تكون مجرّد أدعية دينيّة فحسب، ولا مجرّد لغة أدب فحسب؛ ولكنها تشرئبّ لتكونَ لغة البحث والعلوم في أدقّ مصطلحاتها، وأعلى مستوياتها؟ فما ذا يُراد للعربيّة في الجزائر، وقد بدأ تقليص دورها في التّدريس والتجانُف بها عن سبيلها الطّبيعيّةِ إلى نحو الشعر وعلوم الإعلام؟ ولِمَ تُلاصُ على ما لا يجوز لها أن تُلاَصَ عليه؟ ولِمَ وقع تحويل مسار التعريب في الموادّ العلميّة في التعليم الثانويّ بحجّة «العصْرَنَة»، وقصور اللّغة العربيّة عن أن تسَعَ العلوم العصريّة؟ وهلاّ وقع تعويض تدريس تلك الموادّ العلميّة باللّغة العربيّة، بتدريسها باللّغة الإنجليزيّة على الأقلّ، حيث هي الآن لغة العلم، عوضاً عن لغة العشق والغرام؟!
والحقّ أنّ هناك موجةً عارمةً تجتاح بعض النفوس المريضة من بعض الجزائريّين الشيوخ خصوصاً ممّن يربطهم الحنين العارم بفرنسا الاستعماريّة؛ فاستحالت طائفةٌ منهم إلى غير أنفسهم، فبيّتوا الانسلاخَ من جلودهم الأصليّة، وأمسَوْا بقدرة قادرٍ يرطّنون باللّغة الفرنسيّة على مرأىً ومسمع من المواطنين وهم لا يستحُون!؟ ولقد غالَى بعضُهم حتّى ظنّ أنّ التَّرطين بالفرنسيّة في الْمَآقط العامّة هو مما يضمن دوام المنصب السامي للموظّف، وهو سلوك غريب ليس له تفسير، أو له تفسيرٌ غير مفهوم!...
إنّ اللّغة العربيّة في الجزائر تعيش واقعاً مهزوزاً يوشك أن يُفضي إلى رِدّة تعريبيّة تدمّر كلّ الجهود التي بُذلت في مجال استرجاع ثوابت الهويّة الوطنيّة، ومنها اللّغة العربيّة، على مدى أربعين عاماً سلختْها الجزائر من عهد الاستقلال... فلقد ارتفعت أصوات محمومة تزعم أنّ هذي العربيّةَ ليست على شيء وما ينبغي لها، وأنّها لا تُفضي إلاّ إلى التّخلّف، وأنّها لا تمثّل إلاّ عصر الظّلام، وأنها أعجز من أن تقدِر على استيعاب العلوم الإنسانيّة بلْهَ العلوم الدّقيقة! بل إنّا نجد اليوم من يتّهمها في العالم العربيّ أيضاً، ظلماً وعقوقاُ، بأنّها لغة الإرهاب! فما ذا كان يجب أن يفعله الذين يحبّون هذه اللّغة ويتعلّقون بها؟ أكان عليهم أن ينظروا ويسكتوا؟ أم عليهم أن يعمِدوا إلى إغراءِ أهل الحلّ والعقد بضرورة التّخلّي عن هذه القرارات المجحفة في حقّ لغة الأجداد؟
أمّا في الجزائر فإنّ المدارس الخاصّة بدأت تعلّم لتلامذتها الموادّ العلميّة باللّغة الفرنسيّة متحدّيةً القوانين الوطنيّة الجاري بها العمل، ممّا حمل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على أن يتدخّل شخصيّاً، فيأمر مثل هذه المدارس بضرورة احترام المطلوب منها منادياً: «لا إصلاح بتهميش اللّغة العربيّة. [بَل] مَن نحن حتّى لا نطبّق، ونتقيّد باللّغة العربيّة»؟( )
وإنّا نحمد اللّه على أنّ هذه المدارس رضخت لإرادة الرّئيس بتأكيدها للرأي العامّ أنّها تدرّس الموادّ العلميّة تبعاً للنظام التربويّ المعمول به في الجزائر.( )
بل إنّا ألفينا الدكتور نبيل عليّ، وقد على أنّه خبير لغويّ، يذهب إلى ضرورة نبْذ الأحاديّة اللّغويّة التي نتّفق معه في الرأي؛ ولكنّ نبيل علي لم يتحدّث عما يفعله الطّرَف الغربيّ في ظلّ العولمة التي تعني أن ينسلخ العرب من هويتهم دون مطالبة الآخرين بأن يتنازلوا قيد أنملة عن قيمهم الغربيّة. بل لقد ألفينا نبيل علي ينتقد مجامع اللّغة العربيّة انتقاداً قاسياً، زاعماً أنّها تحتاج «إلى إصلاح عميق، داعياً إيّاها إلى النظر في الواقع بعيون عصريّة ناقدة».
وقد كنّا قلنا: لا ينبغي الرضا بتدريس العربيّة في نفسها بما هي لغة فحسب، ولكن بما هي لغة تدريسٍ للعلوم في مرحلتي التعليم الثانويّ، والعالي. أمّا فيما يعود إلى لغة البحث في مستواه الأعلى فيمكن اصطناع كلّ اللغات العالميّة لتلقّي المعرفة واستيعابها، ولا حرج. بل إنّ من الضروريّ للباحث إتقانَ لغاتٍ غربيّةٍ من أجل الاستعانة بها أثناء البحث لنقْل المعرفة العليا إلى اللّغة العربيّة.
غير أنّ الأيّام الأخيرة حملت لنا بعض البشائر المحتشمة، وذلك حين بدأ بعض المسؤولين في الوزارات المعنيّة بالتعليم يصرّحون بضرورة أن تستعيد العربيّةُ شيئاً من مكانتها، بعد عدم تعلُّم تلاميذ المدارس لا العربيّة، ولا اللّغات الأجنبيّة؛ ومن الآيات على ذلك أنّ ندوة وطنيّة انعقدت يومي سادس وعشرين، وسابع وعشرين أبريل 2005 وُقِف فيها البحث في «آفاق تحديث أساليب تدريس اللّغة العربيّة».( )
والحقّ أنّ الخطأ الذي وقعتْ فيه الجزائر في المسألة اللّغويّة أنّها بالغتْ في تسييسها من حيث كان الأَوْلَى ترْكها لعلماء اللّغة ليبتّوا فيها، مع الالتزام باحترام ثوابت الهويّة الوطنيّة. فبعد الدّعوات الناشزة التي ظلّ المسؤولون السياسيّون يطلقونها، حتّى بحّت أصواتهم، من أجل الانفتاح على تعلّم اللّغات العالميّة هاهم هؤلاء اليوم وكأنّنا بهم يراجعون شيئاً من مواقفهم بعد أن أمست المدرسة الجزائريّة تخرّج أصنافاً من الشباب لا يُتْقنون لغة واحدةً، لا عربيّة، ولا عالميّة، لكثرة التجارب التي خضعوا لها في التدريس، ولتقلّب أحوال المدرّسين بين عهد وعهد، وسياسة وسياسة...
فكأنّ هناك شيئاً من استعادة الوعي الوطنيّ بضرورة الرجوع إلى الأصل، وهو فضيلة! وقد أفدْنا ذلك من بعض الصّحف السّيّارة الوطنيّة الصادر في ثامن وعشرين أبريل 2005.
وإذن، فالعربيّة في هذا العهد المفلس، في الجزائر، وفي العالم العربيّ كلّه أيضاً إذ هي لغة كلّ العرب، إمّا أن تتحدّى فتشمُخَ وتشمخِرّ، وإمّا أن تستكين فتتقلّص وتنقرض. فهذه الكَوْنَنة لا تحمل غير الْغِلّ وسوء النّيّة للّغة العربيّة، وهي توشك أن تضع في سبيل تطوّرها الْمَهاوي، ثمّ تنتظر لها أن تعثر لكي تُسارع إلى الإجهاز عليها بكلّ ما فيها من ثقافة وفكر وعلم. غير أنّ الشُّرفاء في الجزائر، وفي سائر العالم العربيّ لن يُسْلِموا لغتهم الشريفة ولن يفرّطوا فيها؛ ولذلك فالأمل معقودٌ على غَيرتهم في النَّضْحِ عنها، والرجاءُ مرهونٌ بما سيُعْنِِتون به أنفسهم من جهدٍ سيُعيد للعربيّة مكانتها المتألّقة بين اللغات العالميّة الكبيرة من حيث هي لغة علم وبحث وفكر. فأدنى ما لها من حقّ على أهلها أن يتفانوا في خدمتها ولا يَأْتَلُوا جهداً. وأهونُ ما هي أهلٌ له، لديهم، أن تكون كذلك.


سبيل الإصلاح
1. ننادي بضرورة عقد ندوات متخصّصة لترقية تدريس اللّغة العربيّة وتحسينه وتيسيره للناشئة، وإغرائهم بالتعامل مع النصوص الأدبيّة الحقيقيّة، لا نصوص الروايات التي كثيرٌ من لغتها لا يرقَى إلى الأسلوب الفصيح، بلْه الراقي، وذلك بتدريس النحو من خلال النصوص الأدبيّة المعترَف نقديّاً وتاريخيّاً بقيمتها الأدبيّة.
2. فتْح نوادٍ للقراءة الموجَّهة تحت أدباء متخصصين في المدارس الكبرى على الأقلّ، وذلك تحت إشراف أدباء مشهود لهم بمعرفة العربيّة وحبّها أيضاً، لا تحت إشراف المعلّمين المحدودِي الثقافةِ اللّغويّة، وذلك من أجل ترقية الذوق الأدبيّ العامّ لدى المتعلّمين منذ نعومة أظافرهم.
3. تأسيس نوادٍ تكون ملحقة بالمدارس الثانويّة للخطابة، والتمرّس على ارتجال الكلام بالعربيّة الفصحى، وتخصيص جوائز تشجيعيّة للمتفوّقين، حتّى لا يَرِثَ الجيلُ الجديدُ رعونة الأمّيّة، وعِيَّ اللّسان، عن الجيل القديم من المسؤولين في الدّولة الذين لا يعرفون كيف يتحدّثون في المواقف العامّة...
4. إعادة النّظر في بعض النّصوص المختارة في كتب المطالعة المقرَّرة في المدارس، من أجل ترقية الذوق اللّغويّ، وإشاعة العربيّة العالية بين النّاشئة.
5.تخصيص جوائز تشجيعيّة: ولائيّة، ثمّ وطنيّة، في كتابة القصّة والشعر والمقالة، لتلامذة المدارس الثانويّة.
6. تخصيص جوائز تشجيعيّة للأوائل في اللّغة العربيّة في امتحانات البكالوريا سنويّاً، وتكريمهم مع الأوائل في الموادّ العامّة.( )
7. العمل على جعْل النجاح في مادّة اللّغة العربيّة إجباريّاً، بحيث لا ينجح التلميذ في شهادة البكالوريا، مهما تكن النتائج المتحصَّل عليها، ما لم يحصل على خمسين في المئة من علامة اللّغة العربيّة يوم الامتحان، كما هو الشأن في كثير من البلدان التي تحترم لغتها ومنها ألمانيا...
8. تدريس اللّغة العربيّة، بما هي مادّة، في التخصصات الجامعيّة العلميّة حتّى لا ينسَى الطالب، المتخصص في غير اللّغة العربيّة، ما كان تعلّمه في الابتدائيّ والثانويّ فلا يحسن، بعد التخرّج، لا التّدريس ولا البحث باللّغة العربيّة...
ولعلّ ذلك أن يحقّقَ بعضَ ما تسعى إلى إنجازه مجامعُ اللّغة العربيّة، ومنها مجمعُ اللّغة العربيّة الأردنيّ المجيدُ خصوصاً، وهو ترقيَةُ استعمالِ اللّغة العربيّة وجعْلها تتواكب مع التّطوّر الحضاريّ والتّكنولوجيّ بحيث تكون لها الكفاءةُ التّعبيريّة والدّلاليّة والجماليّة أيضاً فلا يُعْجزها أن تعبّر عن الكمّ الهائل من المفاهيم الجديدة التي تظهر في حقول المعرفة الإنسانيّة كلّ يوم بمصطلحات دقيقة ما أمكنها ذلك…
إنّ العولمة والانترنيت والإعلام الآليّ أصبحت تشكّل عصراً جديداً قاسياً وعاقّاً؛ ولكن لا مناص من مواكبته، والإسهام في بنائه؛ ولا يكون ذلك إلاّ بالتّفكير، بأكثرَ منهجيّةً، في توفير لغة أكثر قابليّةً للتّداوُل، وأيسر للاستعمال في المجتمعات العربيّة تعلو عن العامّيّة قليلاً، وتُسفّ عن اللّغة الأدبيّة العليا قليلاً؛ وتلك غاية ليست مستحيلة التّحقيق في زمن يسُرت فيه وسائل التّواصل والاِتّصال. كما تكاثرتْ فيه الفضائيّات العربيّة التي يمكن أن نَعُدَّها في العهد الراهن من «أعراب العصر»، والتي تكتظّ بها مناكب الأثير، فهي يمكن أن تُسْهم بفعالية ونجاعة في تحقيق هذا المشروع القوميّ الحضاريّ العظيم إذا لم تستنم إلى العامّيّات المحلّيّة المنحطّة، وإذا أعنَتْ نفسَها في الرّقيّ بلغتها التي تخاطب بها العربَ، في المشرق والمغرب، إلى المستوى المطلوب...

























[b][/b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ghilous.hooxs.com
 
اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين، في المؤسسات التعليمية في الجمهورية الجزائرية، الواقع والتحديات واستشراف المستقبل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تطور الأبنية الصرفية ودورها في إغناء اللغة العربية
»  الدراسات اللسانية العربية من الجذور إلى عصر اللسانيات الحديثة
» الدراسات اللسانية العربية من الجذور إلى عصر اللسانيات الحديثة تتمة
» أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ دراســـــة
» أصــول الشعرية العربية ﴿نظرية حازم القرطاجني في تأصيل الخطاب الشعري﴾ تتمة دراســـــة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة أولاد دراج * العلـــــمية  :: لغويات :: لسانيات-
انتقل الى: